الآلات الإيقاعيّة وأشكالها في «الأوركسترا»
تشرين- إدريس مراد:
بقيت الآلات الإيقاعية في الموسيقا العربية مهمّشة رغم ضرورة وجودها في التخت الشرقي، على الأقل لضبط الإيقاع، وفي الجهة المقابلة، نجد أهمية كبرى لهذه الآلات في الموسيقا الأوروبية والغربية، وبشكل خاص في الأعمال الأوركسترالية الضخمة، إذ استخدمها عباقرة الموسيقا منذ العهد الكلاسيكي وما تلاه، ونجد ذلك خلال أعمال باخ وموتزارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي وأورف وكورساكوف وبارتوك وخشادوريان وكل من كان له دور في نهوض الموسيقا العالمية.
تنقسم آلات الإيقاع في الأوركسترا إلى عدة أقسام، منها ما تصدر أنغاماً، ومنها إيقاعية لا تصدر أنغاماً، وهناك أعداد هائلة لا تعد ولا تحصى من أشكال مختلفة، ولأهمية الآلات الإيقاعية سنتحدث عن بعضها، وهي الأساسية في الفرق الأوركسترالية:
الطبول:
يعد الطبل آلة قديمة، فهو معروف منذ عام 6000 قبل الميلاد وكانت للطبل أو بعض أنواعه منزلة كبرى عند قدماء السومريين والبابليين في بيوت الحكمة وفي الهياكل الدينية، وكان صوت الطبل الكبير يعني دعوة الآلهة لأن تفرض هيبتها على سكان الأرض، لكي يسمع صوتها، ويخشع لسماعه، لأنه الملهم لكل أعمال الخير، وكانوا يخصصون للطبل الكبير المقدس الذي لا يفارق الهيكل حارساً برتبة كاهن عظيم، وتبين الصور القديمة أنه كان يحمل على الكتف بوساطة حزام من الجلد، وكانت لهذا الطبل الكبير أهمية كبرى في موسيقا الهيكل وفي الموسيقا المدنية والعسكرية على السواء، وكان يصنع أحياناً من خشب الأرز الثمين تقديراً لقيمته، ومن أنواع الآلات الإيقاعية أيضاً طبل مصنوع من النحاس يسمى في اللغة السومرية القديمة دوب، أما أكبر الطبول القديمة فهو ما كان يسميه السومريون آلا، وقد يصل قطره أحياناً إلى مترين، وكان يعلق بعمود أو يوضع على منصة، ويقرع باليدين أو بالعصا، وأحياناً يحمله رجل مختص، بينما يحمله رجلان، واحد من كل جه، ويرافقهما عازف البوق أو الناي، وهذه الصورة وجدت في بقايا مدينة (كركميش) أي جرابلس السورية.
من الطبول التي تستخدم في الأوركسترا تمبانى:
وتمبانى لفظ إيطالي يطلق على طبول بشكل وعاء نصف كروي كبير، ويتراوح قطرها في المتوسط ما بين 50 و80 سم، وتصنع من النحاس أو من معدن خفيف ، يشد عليها جلد حيواني، ومن الممكن أن تصنع من مواد بلاستيكية أيضاً.. يدق على آلة التّمباني بمضارب من الخشب أو الخيزران، وتغطّى رؤوسها بالجلد أو اللّباد أو الصوف أو الفلين أو الإسفنج أو المطاط.. استعملت هذه الآلة في العصور الإسلامية في المناسبات المختلفة مثل الحروب ومواكب الحجاج والأعياد، وكانت تحمل على ظهور الخيل.
اقتبَست أوروبا هذه الآلة من الشرق مع طريقة وضعها على جانبيّ ظهور الخيل.. وفي القرن السابع عشر، أخذت آلة التمباني مكانها الثابت في الأوركسترا، أما في الموسيقا العربية فقد اختفت التمباني منذ مدة طويلة.
طبل عسكري صغير:
وهو طبل صغير ذو شكل أسطواني عليه جلد من الأعلى والأسفل، السفلي مركب عليه حبال، ويعزف عليه بوساطة مضربين خشبيين، ومهمة الحبال السفلية تعطي صوت السنير الخاص، وقديماً كانت تصنع هذه الحبال من أمعاء الخروف، والآن تصنع من المعدن، ولهذه الآلة أحجام مختلفة.
طبل كبير: وهي من أكبر الطبول في الأوركسترا، توضع على حامل بشكل مائل ويعزف عليها بوساطة مضارب كبيرة ذات رأس كروي مصنوع من اللباد أو الفرو حسب طبيعة الصوت المطلوبة.
الدف:
هو طبل بسيط صغير مصنوع من جلد مشدود على إطار خشبي، وتركب على الإطار مجموعة من الصنوج الصغيرة، يعزف بوساطة اليد، وهناك بعض الأدوار تتطلب مهارة عالية من العازف، وهي أكثر آلة شعبية في العالم؛ لأنها بسيطة ومواد صناعتها موجودة في أغلب الحضارات الموسيقية.
مثلث:
وهو قضيب معدني ملتو على شكل مثلث مفتوح يعلق بوساطة حبل يتصل بالزاوية العليا منه، وذلك لتظل الذبذبات الصوتية للجسم الرنان حرة طليقة، ويدق عليه بقضيب من المعدن.
كاستانيت:
استخدمت هذه الآلة الإيقاعية قديماً في حضارات عدة شعوب، منها بلاد المغرب العربي والفراعنة، والعثمانيون وأيضاً في الموسيقا الإيطالية والرومانية والإسبانية والبرتغالية ودول أمريكا اللاتينية.. وظهر شكلها النهائي عند الإسبان في موسيقا الفلامينكو، وتستخدم في المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية ذات الطابع الإسباني، وهي هي قطعتان خشبيتان لهما تجويف داخلي، يشبه المحارة، وتربطان من الأعلى بخيط وتصدران الأصوات من خلال ارتطامهما ببعض بوساطة ضغط الأصابع، ويتم تصنيع هذه الآلة بشكل احترافي من نوعين مختلفين من الخشب (الأبنوس وخشب الورد)، خشب الأبنوس يعطي صوتاً يشبه صوت المرأة، أما خشب الورد فيعطي صوتاً يشبه صوت الرجل، وإن صنعت هذه الآلة من الخشب ذاته عندها يتم التحكم بالصوت عن طريق حجم التجاويف الداخلية، فكلما كان التجويف أكبر يعطي صوتاً أكثر جهيراً، يمكن تركيب القطعتين على حامل خشبي يدوي أو قاعدي عند استخدامه في الأوركسترا.
الصنوج
وهي دائرية الشكل مصنوعة من النحاس، وتتألف من قطعتين تضربان ببعضهما أو من قطعة واحدة تضرب بوساطة مضرب خاص، ونوعية المضرب تحدد حسب الصوت المرغوب، وتصنع على الأغلب من عصي طويلة ذات رأس ملفوف بقطعة من الصوف.
جونج:
وهي آلات معدنية على شكل أوان، يعطي كل منها صوتاً من أصوات السلم الموسيقي وتوضع متجاورة في مجاميع مختلفة الأحجام، ويدق عليها بمطارق ذات رؤوس من اللباد أو المطاط، ومنها نوعان الأول على شكل أطباق مستديرة منحنية أطرافها إلى الداخل، والثاني قد يصنع على شكل حلة مغلقة يتوسط سطحها العلوي بروز يدق عليه بالمضارب، وتوضع على حوامل حتى تظل اهتزازاتها حرة.
أجراس أنبوبية:
وهي عدة أنابيب معدنية طويلة تعلق طولياً في حامل، مغلقة من جانب ومفتوحة من الجانب الآخر، ويصدر عن كل أنبوب صوت موسيقي، صنعت لكي تعطي أصواتاً كأجراس الكنائس، يعزف عليها بوساطة مطارق خشبية، إذ ينقِر العازف الأنابيب مستخدماً مطرقتين خاصتين من الجلد المضغوط، فتُصدِر الآلة أصواتاً عميقة رنانة يستطيع العازف أن يطيلها باستخدام بدال إطالة يدار بالقدم، اخترع الأجراس الأنبوبية في شكلها الحالي الإنجليزي هامبتون عام 1885 .
زايلوفون:
زايلوفون كلمة مركبة أصلها يوناني، زايلو وتعني الخشب، وفون تعني الصوت، بمعنى (الصوت الخشبي)، وهي من ضمن عائلة الآلات النقرية (الإيقاعية)، تصنع من قضبان خشبية، مختلفة الأطوال لكل منها نغمة، ويتم نقرها بمطارق ذات رأس خشبي أو بلاستيكي صلب- لتوليد نغمات موسيقية، ولهذه الآلة مفاتيح مرتبة كترتيب مفاتيح آلة البيانو.
فيبرافون:
وهي قطع معدنية مختلفة الأطوال، تركب في أسفلها أنابيب مجوفة تفتح وتغلق (بوساطة صفائح مركبة في أعلى كل أنبوب) عن طريق جهاز ميكانيكي بسيط مربوط على محرك كهربائي لتكبير الذبذبات وإطالة فترات استمرارها.. ويحول الصوت إلى تموجات يقال لها في لغة الموسيقا (فيبراتو)، ومنها أتى اسم الآلة.
هناك الكثير من الآلات الإيقاعية الأخرى التي قد تستخدم لضبط الإيقاع، أو لعمل مؤثرات صوتية كصوت الرعد والمطر وصفارات الإنذار وأجراس الأبقار وغيرها من أصوات تحيط بنا، وهناك بعض المؤلفين الموسيقيين استخدموا مختلف الآلات والآليات لصنع مؤثرات صوتية كصوت السندان والمطرقة والآلة الكاتبة وغيرها خاصة في الموسيقا التصويرية.