أميركا تنتظر انعطافة حاسمة في المنطقة لإخراج مخططاتها.. «فوهات النار» تزلزل أركان الكيان الصهيوني وتقلب موازين الغزو البري
تشرين – مها سلطان:
..أن تبقى الولايات المتحدة الأميركية تتحدث عن «ما بعد غزة» وكأن جيش الاحتلال الصهيوني هو من سينتصر، فهذا إما انفصال عن الواقع أو أنه استمرار لـ «بروباغندا» على قاعدة تكريس الأكاذيب كحقائق رغمَ أنف الجميع ورغماً عن أن كل الميدان، بالصوت والصورة، وباعتراف الكيان الصهيوني نفسه، هو ميدان تمتلكه المقاومة الفلسطينية (ونحن هنا نتحدث عن المواجهات والمعارك البرية).. أو أن الولايات المتحدة لم تُخرج كامل خططها المُبيتة سواء لقطاع غزة أو للمنطقة، وربما هي تنتظر الأيام القليلة المقبلة، حيث يُقال إن انعطافة حاسمة ستشهدها المنطقة، ولكن من دون تحديد اتجاه معين، ما دامت كل السيناريوهات محتملة ومفتوحة.. وربما هناك ما تراهن عليه الولايات المتحدة انتظاراً لتلك الانعطافة.
هذا الانتظار قد تخرقه نوعاً ما، الزيارة المرتقبة – غداً الجمعة – لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وهي الثالثة له إلى الكيان الصهيوني ما بعد عملية طوفان الأقصى في الـ7 من تشرين الأول الماضي، ومن المتوقع أن تتوسع الزيارة لتشمل دولاً في المنطقة، كما كانت الحال في الزيارتين الماضيتين. ليس هناك من تفاصيل معلنة حول الزيارة، أو كم سيمكث بلينكن، علماً أنه من اليسير توقع جدول أعمالها، ما دامت أميركا هي من يدير الحرب على قطاع غزة، وهي من يشارك، أرضاً وبراً، في المذبحة المستمرة ضد أهل غزة.
وسبق أن تحدثت تقارير عن قاعدة أميركية تحت الأرض في «تل أبيب» تدير وتوجه، ولها الكلمة الأولى في القرار الميداني.
أما الرئيس جو بايدن فلا يزال يمنّي نفسه بـ«هدنة» وليس وقفاً لإطلاق النار، وذلك من أجل إطلاق الأسرى كما يقول (ويتبعه في ذلك المسؤولون الصهاينة) تاركاً في الوقت نفسه مسؤوليه و«الآخرين» يتحدثون عما بعد غزة، وهو حديث يُفهم من بعض جوانبه أنه في جزء منه لجس النبض، أو لاستكشاف ردود الفعل، وتحديد أي المخططات الخبيثة يمكن تمريرها بصورة أسهل لمرحلة ما بعد غزة، ودائماً على قاعدة تكريس مسألة أن الكيان الصهيوني هو ما سيفوز في نهاية المطاف، كما ذكرنا آنفاً.
ويبدو أن الوسيلة الأساسية التي تعتمدها الولايات المتحدة في سبيل ذلك هي، التسريبات، حيث تتكفل وسائل الإعلام، الغربية طبعاً، في نشرها والترويج لها، وبعضها يتحول إلى مقترحات، أو يكون مدخلاً لمقترحات، كما كان الحال مع اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول ما سماه «التحالف الدولي» والذي يصب مع غيره من المقترحات في إطار ما يمكن تسميته «تدويل غزة» أو وضع غزة تحت الوصاية الدولية، في السياسة/السلطة.. وفي الميدان/نشر قوات دولية.
وهي مقترحات تُطرح إلى جانب أخرى تم طرحها في الأسابيع الماضية ما بعد عملية طوفان الأقصى، والأشهر منها كما هو معروف تهجير أهل غزة إلى سيناء/مصر (وأهل الضفة إلى الأردن).
وفيما تتواصل الاشتباكات بين فصائل المقاومة والقوات الإسرائيلية المتوغلة براً، يرتفع صوت الكيان الصهيوني أعلى، في الإعلان عن قسوة خسائره في الجنود والعتاد، وعن وطأة الضغوط التي تفرضها فصائل المقاومة وهي تفتك بـ«نخبة» جنوده، وتدمر «فخر» عتاده العسكري.
«إن الفصائل الفلسطينية هي في مستوى أعلى بكثير من كل ما عهدناه، ووضعها بعيد جداً عن الانهيار».. هذا ما يقوله ضباط المواقع الرئيسة في غرف العمليات المتقدمة، وأغلبهم من المتمرسين. ويضيفون: لقد أعدوا أنفسهم للقتال، واستطاعوا الحفاظ على أسلوب قتال منظم يعتمد بشكل أساسي على حرب الأنفاق والخروج من «حفر/فوهات النار» لنصب كمين أو إلحاق «أكبر أذى» بنا، وبشكل رئيس من خلال النيران المضادة للدبابات.
الضربة الأقسى، حسب تصنيف قادة الجيش الصهيوني كانت أمس الأربعاء مع تدمير المقاومة للمدرعة الأقوى «نمر»، ومقتل 11 جندياً صهيونياً بداخلها. «إنه الحادث الأصعب وغير المسبوق» يقول المتحدث باسم الجيش الإسرئيلي، مؤكداً أنه لا بدّ من «استخلاص العبر».
وحسب صحيفة «معاريف» تعقيباً:«من المفترض أن تكون هذه المدرعة هي ناقلة الجنود القتالية المتقدمة التي كان الجيش الإسرائيلي ينتظرها لعقود من الزمن، وكان من المفترض أن يؤدي الاستثمار الضخم من ميزانية الحرب إلى منع هذه الكارثة».
تحت وطأة هذه الخسائر، كان الجيش الصهيوني مجبراً على تغيير خطط الغزو البري وبشكل جذري، حسب «معاريف» التي نقلت عن مصادر عسكرية قولها: إننا ندفع ثمناً باهظاً في هجومنا على غزة، ولا بدّ من وضع خطط جديدة من أجل الضرب بأقسى الطرق وأكثرها عدوانية.
وتضيف: إن الجيش الإسرائيلي يستعد لعدة أشهر من قتال سيتم تنفيذه بإيقاعات مختلفة وفقاً لتقييم الوضع على الأرض.
وما يضاعف الضغط على الكيان الصهيوني هو اضطراره لتشتيت جهده على أكثر من جبهة، صحيح أن جبهة غزة هي الأساسية، لكن الجبهات الأخرى لا تقل خطورة، حتى إنه اضطر يوم أمس الأربعاء للإعلان عن نشر سفن في منطقة البحر الأحمر لمواجهة «تهديدات جوية» حسب بيان للجيش الصهيوني.. أما جبهة الشمال فلا تزال سيناريواتها مفتوحة، ولا يمكن للكيان الصهيوني إلّا أن يحافظ على تركيز كامل عليها.