«تدويل» غزة.. «تدويل» المنطقة.. تكريس الاحتلال و«العسكرة»

تشرين- هبا علي أحمد:
يدور الحديث اليوم عما بعد غزة، أو بشكل أدق، كيف ستكون صورة غزة السياسيّة والعسكرّيّة بعد السابع من تشرين الأول الفائت، وهو حديثٌ لا يشغل الإقليم بالقدر الذي تنشغل به واشنطن والدول الغربية في مسارين متلازمين يُراد من خلالهما، على ما يبدو، إعادة التوازن قدر الإمكان للكيان الصهيوني.
حسبما ورد مؤخراً، تدرس أمريكا حالياً «مستقبل غزة بعد الحرب» ضمن ثلاثة خيارات تتضمن، حسب المطلعين، إمكانية وضع قوة متعددة الجنسيات، قد تشمل قوات أميركية، إذا حققت «إسرائيل» أي «نجاح»، إلى جانب إنشاء قوة حفظ سلام، ووضع غزة تحت إشراف مؤقّت للأمم المتحدة، مع منح الإشراف المؤقت على غزة لدول من المنطقة مدعومة بقوات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.
بالتوازي مع الخيارات الأمريكية، بحثت عدة دول أوروبية خيار «تدويل إدارة القطاع بعد الحرب» مقترحة تشكيل «تحالف دولي» يدير غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة، حسب وثيقة اقترحتها، وأعدتها ألمانيا، ووزعتها على عدد من الدول الأوروبية، وأشارت إلى أن هذا التحالف سيتولى أيضاً تفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى غزة.
ما سبق ذكره، هو التفاف غربيّ وأمريكيّ واضح على مجريات التطورات والأحداث ما بعد السابع من تشرين الأول، إذ رغم الهمجية الصهيونية، فإن الخشية اليوم أن تنتهي هذه الجولة بفرض المقاومة الفلسطينية شروطها، وتالياً يكون الاحتلال بطريقة أو بأخرى مرغماً على القبول بتلك الشروط، وما يعنيه ذلك من ضربة لواشنطن وحلفائها وتكريس نصر جديد في الإقليم، لذلك، فإن تلك المحاولات يمكن عدّها استباقية، تُكرس واقعاً يخدم الكيان، مفاده الاستيلاء على غزة بدعوى التدويل ودخول دول غربية مع عربية في حكم القطاع والإشراف عليه، لكن في الحقيقة ستكون الكلمة الأولى والأخيرة للاحتلال، أي فيما معناه، نقل القطاع من حالة الحصار إلى حالة الاحتلال، وإنهاء حالة المقاومة، سواء نجح مخطط التهجير أو لم ينجح، ثم إن لنا في تدويل العديد من القضايا دروساً لا بد من الاستفادة منها والعودة إليها والتنبه لها، هذا من جانب.
أما الجانب الآخر، ففي ظل الحديث عما بعد غزة إقليمياً والاستهداف الأمريكي – الصهيوني الواسع للمنطقة نجد أن التحّركات الأمريكية – الغربية تصعيدٌ جديد للمواجهة في المنطقة، يترافق مع حالة الحشد العسكري لحاملات الطائرات الأمريكية وأنظمة الصواريخ، وكذلك العديد من الدول الغربية في البحر الأبيض المتوسط، أي جرّ دول المنطقة، ولاسيما المنخرطة ضمن محور المقاومة، إلى حرب شاملة، وتالياً زعزعة الأمن والاستقرار اللذين يحاول العديد من الدول في المنطقة تكريسهما بعد سنوات من عدم الأمن وعدم الاستقرار، أي إن الأمر ينطلق من غزة إلى المنطقة، وليس محصوراً بالقطاع في أي حال من الأحوال.
عندما يتم الحديث عن تدويل وتشكيل «تحالف دولي» فبالضرورة ومن البدهيات إشراك الكثير من الدول في الشرق والغرب مختلفة التوجهات، بعيداً عن التوجّهات الواحدة، لإبقاء حال من التوازن، هذا ما تفترضه القاعدة، لكن أن يدعو الغرب لـ«تحالف دولي» فهو بلا شك محدّد الأطراف والتوجّهات، وكذلك بالنسبة لقوات حفظ السلام، ولاسيما إذا كان الأساس حماية الكيان الصهيوني، فمثلاً قد لا نجد دولاً مثل روسيا والصين وفنزويلا وأي دولة مؤيدة ومناصرة للحق الفلسطيني التاريخي ومناهضة للتوجّهات الغربية- الأمريكية، وتالياً، لا يمكن الحديث عن قوات حفظ سلام أو «تحالف دولي» بقدر ما هو تحالفٌ أمريكيّ- غربيّ وقوات أمريكية- غربية.
ما يدعم الذي سبق، أن الوثيقة الألمانية السابق ذكرها أتت على ذكر الأنفاق والأسلحة إلى غزة.. فمن سيفكك أنظمة الأنفاق إذا كان الاحتلال ذاته، وهو على علم بطبيعة المنطقة، لم يستطع الحؤول دون حفرها؟ ولم يعلم بها إلا بعد حفرها، وأيضاً كيف ستفكك الدول الغربية الأنفاق، وما الآلية والطريقة المعتمدتان، ومن سيتولى المهمة غير الكيان الصهيوني؟.. في الحقيقة، هي محاولةٌ لتسليم القطاع للكيان ليس إلا.
في الحقيقة، بين حال الحرب وعدم الحرب تكمن الحرب بمجمل أبعادها، فعندما تعمد الخطط الأمريكية إلى إشراك الأمم المتحدة، فهذا يعني إضفاء الشرعية على أي تحركات آتية، وهي بالضرورة تحركات عدوانيّة، ولنا فيما يسمى «التحالف الدولي» المزعوم ضد تنظيم «داعش» الإرهابي أكبر مثال، فقد ساند التحالف التنظيم ودعمه في جرائمه، والتحالف الجديد سيكون على غراره، لتأمين أكبر دعم ممكن للكيان الصهيوني وحمايته مع جرائمه لاستكمال مخطط استهداف المنطقة، على نحوٍ يحقق الآتي، وفي حال فشل أحد أجزاء المخطط، تكون الأخرى جاهزةً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار