ليتعرف العالم على نوعية الوحشية التي ترتكبها «إسرائيل» بحق المدنيين في قطاع غزة، عليه أن يسمع ما قاله أحد الصحفيين: ما شاهدناه في مستشفى المعمداني في غزة كانت صوراً مرعبة مفزعة، كانت هناك أشلاء جثث مقطعة لأطفال ولشباب ولرجال كبار ولنساء، القصف كان في وسط المستشفى وليس على أطرافه، لا نستطيع الكلام من هول ما شاهدناه، فقد رأينا أكواماً من اللحم البشري تعبأ في أكياس.. انتهى الاقتباس.
هذا كلام شاهد عيان كان حاضراً في قلب الحدث، شاهد بعينه المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الذي لا يحترم قيماً ولا قوانين ولا أعرافاً ولا شرائع بحق المدنيين.
أما حديث الصورة وما تناقلته محطات التلفزة، فقد كان شيئاً أكثر قتامة وبشاعة من أي حديث عن هول المجزرة التي خلفت آلاف الشهداء والجرحى، وما زالت تداعياتها تتصدر نشرات الأخبار حول العالم، هذه المجزرة، والتي لا يمكن أن توصف إلا أنها خارجة عن كل الأفعال الإنسانية، تضيف صفحة سوداء إلى سجل (إسرائيل) الأسود والوحشي، فما جرى في الأمس كان امتداداً لمجزرة دير ياسين، وصبرا وشاتيلا في لبنان فمدرسة بحر البقر، وامتداداً لجريمة قانا وجريمة ملجأ العامرية، كلها مجازر الفاعل فيها واحد والجريمة هي ذاتها سواء كانت في بغداد أو جنوب لبنان أو في غزّة، والضحايا هم ذاتهم أطفال ونساء وشيوخ، مجازر لا تزال محفورة في ذواكر كل عربي شريف.
اليوم لن نبكي ولن يبكي أهل غزة على شهداء فلسطين، فلم يعد هناك جدوى من البكاء والنحيب، فواهمٌ مَن يعتقد أن هذا الإجرام غير المسبوق سيواجه بالبكاء، وواهمٌ مَن يعتقد أن هذا الإجرام سيُوهن من إرادة المقاومين عشاق الحرية، بل على العكس تماماً، فمرارة الفاجعة وأهوال المجزرة تذكي في نفوس الأباة العزائم والهمم.. وستكون هي الزيت الذي يستمد منه مصباح المشكاة لينير طريق المقاومين ويضيء ما يلزم لديمومة اتقاد مشعل الوفاء لدماء جميع الأبرياء الذين ارتقوا شهداء دفاعاً عن الوطن.. دفاعاً عن الهوية.. ودفاعاً عن نقاء الانتماء.
لا لن يبكي أهالي الشهداء، لن يبكوا على الأطفال وبراءتهم التي نهشتها الوحوش البشرية واغتالتها صواريخ الإجرام الإسرائيلي وهم نيام في أحضان أمهاتهم وقد تناثرت أشلاؤهم في باحة المشفى المعمداني في غزة، هكذا يَعدُ آباء وأمهات العدو، مؤكدين أنهم تركوا البكاء لهذا المغتصب الحاقد.. ويعدونهم بأنهم سيسقونهم مر الكأس التي سقاهم منها.
نعم قالوا عنها إنها جريمة إسرائيلية نكراء ببصمة أمريكية، لكن هي ليست جريمة فقط.. إنها فوق الإجرام، حتى أنها أشد قذارة من كل ما شهدته البشرية من جرائم منظمة، ولعل عظام الإرهابي شارون تتململ اليوم بعد أن ثبت أن هناك من تفوق عليه بالوحشية وشهوة القتل والإحراق والتدمير وتجاوز كل الأعراف البشرية.
إن دماء المئات الذين قضوا مساء أمس بقصف إرهابي إسرائيلي وحشي تطلق صرختها الآن للكون.. وتسأل أهل الأرض ليقولوا كلمتهم في النازيين الجدد قتلة الأطفال الذين خلت قلوبهم من معاني الإنسانية وتجاوزوا كل ما عرفه التاريخ البشري من جرائم.
أمين الدريوسي
34 المشاركات