“نافذةٌ واضحةٌ على أفُقٍ غامِض” لمجد إبراهيم

تشرين- ثناء عليان:
لا أنتمي إلّا إليَّ..
وإنَّني كُلُّ البشر..
مَنْ فرَّقَ الأشباهَ ؟
أو مَنْ قال :
يَرْضَى الوردُ
فلسفةَ اختلافِ العِطْرِ
في روضاتهِ
بَدَلَ التَّكامُلِ والغِنَى
لِتَثورَ بالأنوارِ أنوارٌ
تسيلُ من القمرْ؟
هذه الشذرات للشاعر مجد إبراهيم مختارة من مجموعته الشعرية “نافذةٌ واضحةٌ على أفُقٍ غامِض” الصادرة عن دار بعل للطباعة والنشر، وهذه المجموعة الخامسة بعد (ومضات سوداء، ملهاة الظلام، دندنات عارية، أنا هنا جميعاً).
الشاعر مجد إبراهيم كان في ضيافة فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب حيث قدمت الشاعرة أحلام غانم قراءة في مجموعة “نافذةٌ واضحةٌ على أفُقٍ غامِض” تحدثت فيها بداية عن العنوان الذي تميز بزخمٍ رمزيٍّ على أفُقٍ غامضٍ، ومعادلٍ دَلاليٍّ تأويلي، يبحث عن سؤال الوجودِ والمصير مع ظاهرةِ غيابِ الذاتِ والآخر، مبينة أن الشاعر وضعنا بما يحمله العنوان أمام انزياحٍ ومفارقةٍ دلاليةٍ، وهذا من شأنه أن يفتحَ شهيةَ القارئ الى التأمل في طياته من أجل البحث في الدلالات التي تحملها هذه الثنائية الضدية، التي يمنحها بلاغةً أكثر عمقاً ودلالة، والمعبرة عن نفسية الشاعر. ومن زاوية أخرى – تضيف غانم- يخطو الشاعر “مجد إبراهيم ” في شعره خطواتٍ صوب مطارح الطفولة وصوَر الانتماء والهويّة، وإن تكن مستعادة، ربما، فإنّها تدلّ على هواجس الشاعر الذي يبني بها عالمه، ويشكّل رؤيته إلى الموطن الأول والمرأة والطبيعة وإلى بعض من سيرته التي يورد محطّاتها العزيزة على قلبه، بوهجٍ فني متميز هو نتاج هذا التلاقح الطبيعي الموصول بمياه بردى والنيل والفرات.
ولفتت غانم إلى أن هناك غموضاً شفّافاً يلامس الذائقة، يحرّكها من القراءة الأولى، والغموض الشعري لا يلازمُ قصائدَه كأنَّه أصلٌ من أصولها بل كحالة محيّرة تحضّ القارئ على فكِ رموزها من دون إزعاجه من الشاعر بادعاء المعرفة، فالشاعر برأيها يبحث عن معالم تجلت بصفتي الظهور والاختفاء؛ وتحضر الثنائيات الضدية بقوة وجلاء في المجموعة.
إنَّ المتأمل في الشعر الرؤيوي لمجد إبراهيم تبدو له تجليات عميقة وعمودية، ففيه نجد هاجسه ينبني “على أساس انتقال الذات الشاعرة بوجدانها وميولها في حركتها إلى النص الذي تتجلى فيه مختلف المراجع الروحية والذوقية والجمالية المكونة لتلك الذات المبدعة”، كما نجد أن الشاعر اعتمد الدلالة الصوفية في صياغة عناوين قصائده، ولأنه يدرك ذلك التقاطع بين اللغة الصوفية واللغة الشعرية لكونهما لغة رمزية إيحائية يتجلى ذلك، في:” برزخ الرؤيا، الموت شعراً، رحلة الضوء، الغوص في أعلى الخفايا، عِطرُ التجلّي، صلاة الورد، بلاغة الصمت، دُعاءُ النَّشْوة، تباشيرُ الرؤيا، خداعُ التخفي.” فإذا تأملنا كل عنوان بمفرده نجده عبارة عن جملة مركبة من كلمتين وعليه، فقد جاءت عناوين النصوص محمّلةً بالكشف في خبايا الذات والكون معاً مما يؤكد إصرار الشاعر على المعجم الصوفي في رسم نافذته الشعرية.
وترى غانم أن الشاعر قد استوعب جلَّ المبادئ التي تتكامل معها مذاهب الأسلوب الشعري المنفتح على ثنائية الذهني والحسي، عبر تمفصلات الإيقاع بمدلوله الواسع الذي يوحد الحواس ويخضعها لمبدأ التراسل البناء، لذا نراه يؤسس مشروعه الإيقاعي على موسيقا العروض، بالتركيز على الأبحر الصافية كبحر الكامل وبحر البسيط، ومن الضروري القول؛ لم يكن التكرار أداة تركيبية دالة على بروز الجانب الفني بشكلٍ وافر في العمل الشعري، فحسب بل كان الإيقاع بالمعنى العميق لغة ثانية تباطن الدوافع النفسية في تحقيق النغمة البسيطة وتكثيف المعنى، فالإيقاع الخارجي بالروي المكسور وتموجات الذات الشاعرة الداخلية تكشف عن حالات نفسية تمرُّ بها، والتكامل الإيقاعي بين الخارجي والداخلي عن نظام متماسك.
وتؤكد غانم أنَّ الشِّعرَ والتصوفَ منذوران لما هو خفي، والخفي دائماً يأسرنا، ويدخلنا في متاهاته، ويُشوِّقنا إلى بُعده واحتجابه، وهو المحتجب البعيد الأبعدُ اللانهائي، وترى أن “الإبداع إحياء للكلمة بعد نضوبها”، ويتحقق التنافر بالإسناد اللامنطقي بين الألفاظ بفكرة النفي مثل التضاد .
استخلاصاً لما سبق تقول غانم: التضاد في هذه المجموعة؛ بين تشاكل الغموض وثنائية التضاد تمثلُ جانباً من الصراع الذي يعيشه الباحث عن الحقيقة في ذاته ومع غيره، وإن كانت وظائف الشعر إعادة صياغة الواقع جمالياً، يكون ذلك بامتلاك الوسائط الفنية التي هي وحدها قادرة على الارتفاع بالنص إلى الخلود والابتكار والدهشة.

وترى الشاعرة غانم أن الشاعر يتمنى الوصول إلى مقام المشاهدة الصوفية، حيث إن الشمس كما يقال: “كناية عن الروح لأن الروح في البدن بمنزلة الشمس”، لكن تبقى المفارقة قائمة في ظل الجدل الذي يعتري ماهية حقيقة الشعر ووظيفته، ويبقى الشعرُ وحدَهُ قضيَّةً عصيَّةً على الحسم؛ فالشعر نَفَسٌ من اللانهائي يُشوقنا إلى المحبوب، والتصوف نَفَسٌ منه كذلك يحملنا إلى بابه حتى ولو طُردنا منه، فكل

واحد من هذين النَّفَسَين يَصُبُّ في الآخر، ويتجادل معه لغةً وتخييلاً وتصوّراً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مجلس الشعب يدين بأشد العبارات العدوان الإجرامي الإسرائيلي الذي أدى الى استشهاد السيد حسن نصر الله ويدعو إلى محاسبة الاحتلال المجرم سورية تعلن الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام باستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله اتحاد الكتاب العرب: ارتقاء سيّد المقاومة مهّدَ طريقَ النّصرِ الآتي لا محالةَ السيد الخامنئي: الأساس الذي أنشأه الشهيد السيد نصر الله في لبنان سيقوى بدمائه سورية تدين بشدة العدوان الإجرامي الإسرائيلي الذي أدى إلى استشهاد السيد حسن نصر الله وتحمل كيان الاحتلال المسؤولية الكاملة عن عواقبه الجسيمة الوزير صباغ يبحث مع وزراء خارجية بيلاروس وسلطنة عُمان والبحرين والأردن علاقات التعاون وسبل تطويرها اتحاد علماء بلاد الشام والمجلس العلمي الفقهي: إن طريق القدس وفلسطين الذي رواه السيد حسن نصر الله بدمائه سيبقى طريقنا حتى النصر روسيا تدين جريمة اغتيال السيد نصر الله وتحمل “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن التصعيد الخامنئي: المجرمون الصهاينة أصغر بكثير من أن يلحقوا أذىً بالبنية القوية لحزب الله طهران: المسار الذي سار عليه الشهيد السيد حسن نصر الله سيستمر