كيف يمكن لما يُسمّى المجتمع «المتحضّر» أن يُغمض عينيه، وهو يرى أشلاء أطفال غزة تملأ المستشفيات؟! كيف يمكن أن يكون السقوط الإنساني والأخلاقي سريعاً وصاخباً ومدوّياً إلى هذه الدرجة وهذا الحد؟! وماذا بقي بعدُ لذاك المجتمع؟! وإلى متى ستبقى المعايير الإنسانية والحقوقية مزدوجةً ومجرد هراء، لا تطبّق في أي حال من الأحوال على الأرض الحقيقية، حيث يجب أن تكون، وحيث يجب ممارستها وتطبيقها الفعلي.
المشهد في غزة، راهناً، وفي كلّ فلسطين، دائماً، يتلخص لدى المنظمات الدوليّة كـ«أونروا» و«العفو الدولية» و«الصحة العالمية» و«الأمم المتحدة» بأنه جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، ومشهد كارثي، ودمار غير مسبوق، وجمع الإحصائيات إلى جانب تحذيرات مع التخلي عن القيام بأي مسؤوليات كـ«أونروا» التي قالت: «سكان غزة يشربون مياهاً ملوثة، وحذرنا من خطورة ذلك، واحتياجات النازحين تفوق طاقاتنا».. والسؤال: ماذا يوجد أسوأ من ذلك ليتحرّك المجتمع الدولي والمنظّمات الدولية، ويقوم بأدواره الحقيقية والمترتبة عليه، والتي أساساً باتت منسيّة لدى الشعوب؟ ماذا ينفع التحرّك بعد دمار هائل ومحو عائلات بأكملها؟ ومتى يُنصف الشعب الفلسطيني؟
تلك تساؤلات نكرّرها دائماً، وندرك إجاباتها، لكنها في كل مرحلة واجبةٌ علينا وضرورية، رغم أننا ندرك أن المجتمع الدولي لن يتحرك من أجل فلسطين، ولا من أجل قضيتها العادلة، ولا حتى لمجرد المحاولة، فما أوصلنا إلى هذه المرحلة هو تاريخٌ طويل من الصمت الدولي المُطبق والمنظمات الدولية أمام تاريخ مظلم وأسود، إجرامي وهمجي، من الجرائم الصهيونية العنصرية، واليوم نقف أمام جرائم وحشية جديدة وتهجيرٍ جديد.
لم تعد القضيةُ، اليوم، كما لم تكن كذلك من قبل، بحاجة إلى تنديد واستنكار وشجب ومشاهدة ما يجري على الأرض، ولأن الاصطفافات باتت واضحة، مَن يدعم مَنْ رغم الإجرام والوحشية، ومَن يقف ضد مَنْ رغم الحق المشروع لمن يدافع عن أرضه ومقدساته وقضيته، فالقضية لمن يود أن يناصرها من العالم «المتحضّر» تحتاج إلى تحرك جدّي وملموس على الأرض، يفضي إلى وقف العدوان وإنهاء الاحتلال.
لا ندري إلى متى؟ لكنّ الواضح أن المجتمع الدولي ليس في وارد التخلّي عن سياساته الإجرامية الداعمة للمجرم، فبينما العدو الصهيوني يقتل، ويهجّر الشعب الفلسطيني، تعمد الدول الأوروبية إلى تكميم أفواه كل من يُناصر فلسطين، واعتقال كل من يؤيد قضيتها العادلة، ويدين الإجرام الإسرائيلي؟!