ملف «تشرين».. إنها البداية فقط.. كيف غيّرت المقاومة الفلسطينية قواعد اللعبة وروّضت ميدان العدو.. وأي مفاجآت ستحملها الأيام المقبلة؟

تشرين – ألين هلال:
إنها البداية فقط، وما قبل 7 تشرين الأول 2023 لن يكون كما بعده، اليوم المقاومة الفلسطينية لم تغيّر فقط قواعد اللعبة، قواعد الاشتباك والمقاومة، قواعد الصد والرد والهجوم، وقواعد البدايات والنهايات.. بل غيّرت نظرة عالمية كاملة لحقائق القوة على الأرض ولمن يمتلك قرار الحرب والسلم، وضعت نقطة نهاية لمرحلة كانت في جزء كبير منها رهناً لمعادلات الإقليم ولاختلال الموازين والمفاهيم في المنطقة، لترسم مساراً جديداً بأثر مستقبلي/ استراتيجي، سينعكس على كل المنطقة، وسنراه بأم العين، يتحقق، ويعيد رسم موازين القوى، كلٌّ على قدر حجمه، وقوته، وتأثيره.. وغداً لناظره قريب.
نحن أمام مشهد جديد يكاد يكون كلياً، يقول الكاتب والباحث في العلاقات الدولية محمد نادر العمري لـ«تشرين»، مؤكداً أن هناك العديد من المؤشرات التي تثبت عملياً تغيّر قواعد الاشتباك، وتتخلص في نقاط أبرزها أن المقاومة وفصائلها في غزة هي من أطلقت هذه العملية، وبالتالي هي من يمتلك زمام المبادرة، وهي التي حققت عنصر المفاجأة والمباغتة، لتنقل المعركة إلى الأراضي المحتلة، وبأفضل ما هو معروف من تكتيكات الحرب والهجوم، براً وبحراً وجواً، ما بين كثافة إطلاق الصواريخ وما بين الاقتحامات البرية للمواقع والمراكز الإسرائيلية، وأسر العشرات من جنود العدو وسوقهم إلى القطاع.

العمري: المقاومة الفلسطينية نقلت المعركة إلى ميدان العدو وبأفضل تكتيكات الحرب والهجوم

براً وبحراً وجواً مع بنك أهداف محدد ودقيق ومدروس

النقطة البارزة الأخرى والجديدة، التي أكد عليها العمري، هي بنك الأهداف وتنويع الاستهدافات، والتنسيق المركّز، والتزامن، ويضيف: شاهدنا إطلاق الصواريخ على المواقع العسكرية والدخول إليها والمجابهة واستهداف المطارات والمناطق الحيوية لشل قدرة العدو الإسرائيلي، وإغراقه في التخبط والارتباك، وهذا ما شاهده العالم كله، إنه ميدان جديد فرضته المقاومة الفلسطينية، ليشكل انعطافة تاريخية في مسار الصراع وصفعة مدمرة ستدفع العدو الإسرائيلي لاتخاذ خطوات جنونية يهدد بها.
وختم العمري حديثه بالتأكيد على أن أبرز معالم تغير قواعد الاشتباك تكمن في قدرة المقاومة على إيقاع أكبر خسائر ممكنة في جيش الاحتلال، وبما لم يشهده في تاريخه كله، هناك عشرات الجنود والضباط الأسرى الذين سيتحوّلون إلى إحدى أقوى أوراق المقاومة في المرحلة المقبلة.
يتفق الدكتور خالد المطري، المحلل السياسي، مع العمري في أن التغييرات النوعية التي فرضتها المقاومة الفلسطينية اليوم هي كبيرة بأبعاد استراتيجية، إذ يقول المطري في حديثه لـ «تشرين»: المقاومة الفلسطينية أفقدت العدو القدرة على السيطرة، الخسائر كبيرة جداً والقدرة على توسيع ميدان الاشتباك ونقله إلى قلب الكيان، فيما هو وقف عاجزاً، كل هذا يدل على التخطيط المحكم المسبق والتدريب عالي المستوى، والاستعداد للتحرك في أي لحظة وبالصورة التي رأيناها، لقد نجحت المقاومة في دخول المستوطنات واقتحام المعابر، وتحطيم أسيجة العدو، ومباغتة جنود الاحتلال في مقراتهم ومراكزهم واقتيادهم أسرى، والمقاومة أمطرت الكيان بـ5000 صاروخ في 20 دقيقة، وهذا يفتح باب السؤال عن عدد منصات الإطلاق التي تمتلكها المقاومة، وكم عدد الصواريخ؟

المطري: الخسائر الكبيرة جداً والقدرة على توسيع ميدان الاشتباك ونقله إلى قلب الكيان..

كل هذا يدل على التخطيط المحكم المسبق للمقاومة الفلسطينية وعلى التدريب عالي المستوى واستعدادها للتحرك في أي لحظة

ويضيف المطري: صحيح أن العدو سيرد بأوسع مساحة عدوان ممكنة، وممارسة أقصى عمليات التدمير والاستهداف للبنى والمواطنين الفلسطينيين في غزة، ولكن كل ذلك لن يُعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين الأول الجاري، لن يُرمم الصورة المزيفة التي طالما صدّرها حول قدرة الردع والهجوم. ثم من قال إن المقاومة ستتوقف عند هذا الحد، أو إنها لن تكون جاهزة وحاضرة لإلحاق هزيمة أخرى به أقسى وأشد؟

وتطرق المطري إلى الاتهامات التي كان يطلقها البعض حول أن المقاومة يستحيل عليها أن تتجاوز حدود غزة، وها هي اليوم تتجاوزها إلى ما هو أبعد وأبعد، لقد شاهدنا كيف وحّدت حركات المقاومة عملياتها، وكيف كانت يداً واحداً، لتعلن جميعها الجهوزية الكاملة على كل أراضي فلسطين (ولبنان أيضاً)، فالمعركة اليوم حاسمة، والعدو الإسرائيلي في أضعف مراحله، وهو عاجز خاسر، حتى عندما سينفذ تهديداته، فهي لن تتعدى ضرب بعض المباني والمنشآت في غزة، وهذا ما شهدناه في الأمس، وهذه الضربات لا تشكل، بأي حال من الأحوال، رداً وترميماً لصورته التي مرغتها المقاومة الفلسطينية في التراب، ولن تشكل استعادة لموازين القوى السابقة، العدو الإسرائيلي اليوم أمام حقيقة واحدة، زوال الوجود، هذه نقطة بداية خطتها المقاومة ولن تتوقف حتى الوصول إلى النهاية وتحقيق هذا الهدف.

وعد كيسنجر جرفه «طوفان الأقصى»
من جهته أكد المحلل والباحث العسكري والاستراتيجي اللواء الدكتور محمد عباس محمد، أنه عندما انتهت حرب تشرين عام 1973 تعهد هنري كيسنجر أن تكون هذه الحرب هي آخر الحروب العربية الإسرائيلية وتحدث قادة صهاينة أن هذه الحرب ليس قدرها أن تكون عربية- إسرائيلية لمَ لا تكون هذه الحرب عربية – عربية، أو عربية – إسلامية، وحتى إسلامية- إسلامية، وبالتالي لجأ العدو إلى تعريب الصراع وأسلمته، وانتقلت جبهات الحروب من خطوط الحدود مع العدو إلى لبنان واليمن والعراق وإيران وسورية، لكي ينفذ بأيادٍ عربية ضد الأيدي العربية.

د. محمد: بعد 50 عاماً تتجدد المقاومة والإرادة العربية ويظهر الإنسان العربي

من جديد لكي يصنع معادلة جديدة وتوازنات جديدة

وتحدث اللواء محمد عن أن التغيّرات النوعية اليوم هي في أساسيات اللعبة التي فرضتها المقاومة الفلسطينية، استثنائية في زمن استثنائي، فكرة المقاومة فيه يُقال أنها ثقافة خشبية وعودة إلى الماضي، وأن المقاومة قد انتهت وهذا ما عملت «إسرائيل» على ترويجه بأن ثقافة المقاومة باتت عبئاً على أصحابها، وعلى من يريد التقدم إلى الأمام وتحقيق التطور عليه أن يتجه باتجاه التطبيع وأن يلجأ إلى مسارات أخرى هي الاستسلام والرضا بما يرمي به الإسرائيلي من فُتات على موائد من يريد أن يتناول طعاماً مدنّساً بالذل والعار.
وجاءت حرب «إسرائيل» ضد سورية عام 2011 باستخدام جيوش بديلة ومقاتلين بدلاء قدموا من كل العالم، كما استثمر العدو بالبعض من أبناء سورية ليكونوا أدوات ليقتل السوريون السوريين، ما يحقق مخططاتهم، بحرف سورية عن مسارها المقاوم وبأن يصبح العدو الإسرائيلي صاحب القرار والكل يطلب ودّه، وخاصة أن شيمون بيريز تحدث عن المال العربي والعقل الإسرائيلي من خلال «ثقافة التطبيع».
وهنا جاءت قواعد الاشتباك الجديدة لتقلب الموازين وتغيّر اتجاه البوصلة لكي تحرف مسار الاستسلام ولكي تصوب باتجاه إرادة وطنية فلسطينية مقاومة حرة تفرض وجودها في هذا العالم، فيوم طوفان الأقصى ليس كما قبله ولا حتى ما بعده فهو أشبه بيوم السادس من تشرين عام 1973، أي بعد خمسين عاماً ويوم تتجدد المقاومة والإرادة العربية، ويظهر الإنسان العربي من جديد لكي يصنع معادلة جديدة وتوازنات جديدة وكي يحقق حضوره ووجوده الإنساني ولكي يفرض على العالم قراراً فلسطينياً وطنياً بأنه لا يمكن تناسي هذه القضية وتجاهلها، فالقضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة وباتت جزءاً أساسياً واستراتيجياً من جديد لاستقرار المنطقة، ومن يريد تناسي هذه القضية فعليه قراءة التاريخ.
وشدد الدكتور محمد على أن محور المقاومة الذي سعت «إسرائيل» جاهدة لتفكيكه من خلال الحرب الإرهابية في سورية وقطع التواصل الجغرافي والثقافي والفكري، وعملت على تهميشه، ورغم أنفها بقي محور المقاومة هو حالة واقعة وضرورة ملحة لثقافة المنطقة وصمودها ولقدرتها على التمسك بهويتها وإرادتها، ولا تستطيع “إسرائيل” تجاهله ولا يمكن لعاقل إلا أن يكون مع هذا المحور، فالمقاومة اليوم تمتلك أدواتها الجدية وقرارها السيادي الوطني واستطاعت أن تخترق أنظمة الاستطلاع المعادية والصديقة والحليفة لـ«إسرائيل» في المنطقة وحققت مفاجأة استراتيجية وعملية تكتيكية، وهي صدمة حققت إرباكاً للعدو، وفرضت عليه إعادة النظر في سياساته، وقوى الرد لديه، ونظرية الأمن الإسرائيلي باتت أمام إشارات استفهام كبيرة لجدوى هذه النظرية.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. طوفان مقاوم غير مسبوق يؤكد وحدة الساحات.. ويطوي إلى غير رجعة أسطورة التفوق والغطرسة الإسرائيلية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار