هيثم صالح
قبل 50 عاماً كان للنصر طعم مختلف، كسرَ جبروت عدو كان يعتقد أنه لا يُقهر، ودمّر خطوط دفاع كان يتحصّن خلفها متيقناً بأنها عصية على الاختراق.
إنه فعل الإرادة التي تحلّى بها الجندي العربي، والثقة التي وضعها نصب عينيه، لأن هذا العدو المتغطرس لابد من كسر شوكته وقد تحقق ذلك.
إنها حرب تشرين التحريرية التي خاضها الجندي السوري على خط «آلون»، يقابله رفيق السلاح الجندي المصري على خط «بارليف»، وقد نجح كلاهما في عبور هذين الخطين، مدمّرين إرادة العدو قبل الخرسانة والإسمنت والخنادق العريضة، ومنتصرين على الوعي الصهيوني قبل الانتصار على الموانع الطبيعية.
حرب تشرين في نظر جميع المحللين لم تكن انتصاراً عسكرياً فحسب، بل كانت حجر أساس لبناء الثقة في نفوس العرب بأن هزيمة العدو ممكنة، وتحقيق النصر ليس مستحيلاً.
أهميه هذه الحرب، التي خيضت في السادس من تشرين الأول عام 1973، لم تكمن بإنجازاتها العسكرية على أهميتها البالغة آنذاك، بل بنتائجها الاستراتيجية الطويلة المدى حتى هذه اللحظة.
لقد تحدّث الكثير والكثير عن هذه الحرب وأسبابها ونتائجها، وفي كل مرة كانت تظهر لها نتائج جديدة، لأنها كانت فعل إرادة وتصميم كما ذكرنا سابقاً، وأهم نتيجة لهذه الحرب، التي لا تزال مستمرة إلى أن يتحقق الانتصار الحاسم، هي ترسيخ فكرة وإرادة المقاومة والإصرار عليها والاستمرار فيها.
فمن رحم حرب تشرين وُلدت المقاومة الوطنية اللبنانية، وتطورت وتعززت المقاومة الوطنية الفلسطينية، وزاد جمهور المقاومة واتسع نطاقها الجغرافي، وانعكست المقولة التي كانت تطرح سابقاً «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، ومن أهم النتائج انكفاء المد العدواني وانتشار المد المقاوم، فحرب تشرين شكلت نهاية حلم صهيوني وبداية حلم عربي جديد.