قد يكون من المبكر السؤال عن توقيت الدخول الفعلي للصين بصورته المؤثرة، وأي الأبواب ستطرق أولاً، ولدمشق 7 أبواب، كلها مشرّعة أمامها، ولعل زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين ستكون المدخل الرئيس والباب الكبير للصين كما هي لسورية وتمثل صورة من التوجه الجديد في المنطقة لبناء علاقات أكثر عدلاً وإنصافاً لبلدانها.
من هنا يمكن القول، والحال هذه أن زيارة الرئيس الأسد للصين ستكون المدخل ليس فقط لإعادة اعمار سورية، وإنما أيضاً لإعادة إحياء سورية، فإعادة الإعمار بحاجة لطريق توصلها إلى شركاء، ولا طريقة هناك ولا طريق إلّا طريق الحرير، خاصة بعدما أوحى «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» بأن عودة سورية «مستحيلة» إلى ما كانت عليه قبل عام 2011 زاعماً أن الأساطيل هي من تشق الطريق أمام التفوق الاقتصادي.
لقد شكلت زيارة الرئيس الأسد والاتفاقيات التي أبرمت بين البلدين والمباحثات التي أجراها مع نظيره الصيني ورئيس الوزراء والمسؤولين الصينيين عنصراً جديداً في تطور الوضع في الشرق الأوسط ، لتكون بوصلة الطريق للخلاص من هيمنة واشنطن على المنطقة وسرقة خيراتها وثرواتها.
إذاً المرحلة التي عدّت فيها واشنطن منطقة الشرق الأوسط أنّها منطقة نفوذ ومستودع للطاقة لها ولشركائها «أصدقائها» ولّت إلى غير رجعة، فقد بات واضحاً أن الأمريكيين هم أكثر من يتخلى عن الأصدقاء في الأوقات العصيبة، مع الأخذ بالعلم أنهم لم يتخذوا في يوم من الأيام أحداً صديقاً لهم.
ولكن مثلما هناك في واشنطن مَن يرى أن الشرق الأوسط ، هو مستودع للطاقة، هناك في بكين من يرى ذلك أيضاً، ولكن بما فيه مصلحة مشتركة للجميع، بحيث اتبعت الصين سياسة براغماتية «نفعية» تشاركية في تعاملها مع القيادات السياسية الموجودة في المنطقة، ومضت بخطا ثابتة تحكمها المصلحة والوعي الذي يتطلب دبلوماسية عالية، من هنا اتجهت القيادة الصينية الى أن يكون لها أكثر من موطئ قدم في المنطقة، بعدما اتخذت في السنوات الأخيرة إستراتيجية خارجية محورها تطوير الحوار والتنمية على المستوى الدولي، وتغليب البعد البراغماتي على البعد الإيديولوجي.
وفيما يتعلق بالصين أيضاً، فإنّ الدور السياسي الذي تلعبه اليوم على الساحة الدولية هو الأبرز والأقوى من أي وقت مضى مع تنامي المد الصيني من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية.
لقد فتحت الصين أمام الجميع سور دبلوماسيتها «المغلق» بنهج دبلوماسي جديد، وطورت علاقاتها مع الدول التي أرادت الولايات المتحدة عزلها عن العالم، وإبقاءها في دائرة سيطرتها أو محاولة «إذلالها» لبسط سيطرتها عليها، فولّدت هذه السياسة الأميركية فراغاً تنموياً، إستراتيجياً وجد في الصين ما يشبع رغباته الاقتصادية ويلبي آماله التنموية..
وفي دعوة بكين للرئيس الأسد هناك تأكيد صيني على وجودها كـدولة ندٍّ للولايات المتحدة في «الهرم» العالمي، والمضي قدماً في تحدّي الإملاءات الأميركية.
إذاً في الحديث وإلقاء الضوء على توزيع الأدوار الدولية والإقليمية في العالم وتداخلها في بانوراما التحولات والصراعات الجيواقتصادية والجيوسياسية سنجد ولادة عالم جديد سبق ميلاده الفعلي قمة «بريكس» الأخيرة التي عقدت في جنوب أفريقيا، وفي هذه القمة أعلنت الولادة التي أثبتت وجود صراع حضارات، فتبلورت عملياً معالم نظام عالمي جديد، وباتت الاصطفافات واضحة، وكذلك المنتديات والكتل السياسية والعسكرية وكذا الاقتصادية، في صراع الحضارات برزت كلٌّ من الصين وروسيا في مقابل الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي.
أمين الدريوسي
35 المشاركات