أياً يكن من شأن الحراك السياسي حول سورية، الذي استعاد زخمه مؤخراً في سلسلة لقاءات واجتماعات، سواء بصيغة أستانا أو مباحثات ثنائية أو طروحات جديدة، فإن المعلن من كل ذلك ما زال قليلاً جداً، ولا يزال ما تحت الطاولة أكبر وأهم بكثير مما هو فوقها والمسموح بتصديره إعلامياً.. وهذا في الغالب أمر طبيعي ومفهوم وليس بالضرورة أن يكون كل حديث عما تحت الطاولة هو حديث سلبي، إذ إن الكثير من الضرورات والموجبات قد تفرض أن يبقى ما تحت الطاولة تحتها، إلى حين إعلانه أو ترجمته في الوقت المناسب.. لكن بطبيعة الأزمات التي نعيشها، ربما لا نملك إلا التوجس والخشية مما هو تحت الطاولة، وما هو غير مُعلن بشكل عام، أو عندما يكون المُعلن قليل جداً، أو إن هذا المُعلن لا يقول شيئاً.
أمس الأول الجمعة، عقد في نيويورك – على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة – اجتماع جديد بـ«صيغة أستانا» أو هو بالأحرى اجتماع ثلاثي ضم بالتتابع وزراء خارجية روسيا، تركيا، إيران، ثم المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون.
التصريحات التي خرجت في أعقاب الاجتماع من وزيري خارجية روسيا وإيران، سيرغي لافروف وحسين أمير عبد اللهيان، ثم من بيدرسون، ركزت بمجملها على أهمية الاجتماع وما تناوله حيال تطورات الوضع في سورية وما يواجهه الشعب السوري من أزمات بسبب حرب الحصار والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية التي تمنع بالتوازي كل انفتاح عربي- دولي على سورية، بما يُطيل أمد الحرب ويُعقّد كل عملية للتسوية وتحقيق الأمن والسلام، وتالياً يجعل عملية التعافي وإعادة الإعمار تحت وطأة كل ذلك، هذا عدا تركيا التي لا يقلّ دورها خطورة وتأزيماً عن الأميركي.. ومع ذلك فإن روسيا وإيران تبذلان جهوداً كبيرة جداً في سبيل ردّها إلى جادة الصواب وإلى قاعدة احترام العلاقات بين الدول وحسن الجوار، ولكن دون جدوى حتى الآن، فتركيا ما زالت على سياساتها العدوانية ضد سورية في الميدان وفي السياسة، وهذا ما أكدته التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي حاقان فيدان بعد الاجتماع المذكور.
تصريحات فيدان ربما ليست تعبيراً أو انعكاساً لأجواء الاجتماع ومواقف بقية الأطراف فيه، بقدر ما هي انعكاس للموقف التركي وتأكيد على أن النظام التركي، الذي يقوده رجب أردوغان، ليس بصدد تغيير مواقفه العدوانية، ولا مخططاته وأطماعه الاحتلالية بالأرض السورية.. إذاً ما العمل إذا كان هذا هو الموقف؟ وكيف يُمكن لبقية الأطراف أن تدفعه باتجاه تغيير مواقفه ومساره؟
والأهم وربما الأسئلة الأكثر فضولية هي: هل إن هذه المواقف هي نفسها وحرفياً التي يقولها النظام التركي في الاجتماعات؟ وكيف يتم التعاطي معها، باعتبار أن البيانات الختامية تخرج في كل مرة لتؤكد التمسك بوحدة سورية وسيادتها وسلامة أراضيها؟ وهل التركي جزء من فحوى هذه البيانات؟ وكيف يستقيم أن يكون جزءاً منها ثم يخرج ليعلن ما يُناقضها ويَنقضها؟ إلا إذا كانت مواقفه تحت الطاولة مختلفة عما هي فوق الطاولة، أو إن هناك اتفاقات من نوع ما تستمهل الموقف التركي لبعض الوقت.. قد يكون هذا التفسير هو أول ما يتبادر إلى الذهن ونحن نقارن بين هذه البيانات والمواقف التركية المعلنة.
في ذلك الاجتماع، الذي لم تكن سورية ممثلة به، والذي قيل إنه بصيغة أستانا «ولا ندري إذا كان هذا يعني أنه ليس أحد اجتماعاتها الرسمية/ النظامية، بمعنى أنه ليس استئنافاً لها أو تحضيراً لاجتماعها المقبل»، في ذلك الاجتماع كما يبدو لم يتم التوصل إلى موعد جديد حول استئناف مسار أستانا، في حين بدا أن الاجتماعات الرباعية انتقلت فعلياً من نقطة التجميد إلى نقطة الإلغاء.
عطفاً، وفي ظل ما يتم تناقله حول تعليق خطوات الانفتاح العربي بضغط أميركي «وكالة نوفوستي الروسية نقلت أمس السبت عما سمته مصدراً مطلعاً قوله إن اللجنة الخاصة التابعة للجامعة العربية والخاصة بسورية التي تشكلت خلال القمة العربية الأخيرة في جدة في أيار الماضي».. في حال كان ذلك صحيحاً فإنه ليس من المتوقع قريباً استئناف أي من المسارات، العلاقات السورية – العربية، والسورية – التركية، أو مسار أستانا.. وعليه هل إن الحراك الحالي مكتوب له الفشل؟
ليس بالضرورة، فلو لم تكن هناك منافذ مفتوحة، لما تم استئناف هذا الحراك، ولو لم يكن هناك تقدم من نوع ما أو لنقل طروحات جديدة من نوع ما، لما كان هذه الحراك مستمراً.. قد يكون هناك تجديد أو إعادة هيكلة أو مقاربات جديدة للمباحثات التي تجري خصوصاً مع النظام التركي.
من هنا نقول إن ما هو غير مُعلن أكبر وأهم مما هو مُعلن، وأن المرحلة المقبلة ربما تحمل جديداً، لننتظر ونرَ.
مها سلطان
57 المشاركات