تراجعٌ سريع

شهد العالم تراجعاً سريعاً لدور الدول الاستعمارية، منذ بداية القرن الماضي، إلا أنّ الدورَ الفرنسي كان الأكثر تسارعاً وخاصة على مستوى القارة الإفريقية. فبعد أن كانت فرنسا تتمتع بنفوذ طاغٍ على مستوى القارة من خلال الوجود الفرنسي الاستعماري، الذي كان ملحوظاً في معظم الدول الإفريقية، والذي مالبث يتراجع، حيث بدأت دول إفريقية عديدة بالتحرر وأعلنت استقلالها.
وفي السنوات القليلة الماضية زادت الدول الرافضة للوجود الأجنبي الاستعماري، حتى إنها باتت تقيم تحالفات مع الدول التي تخلصت من الاستعمار  لحماية استقلالها، كما يجري اليوم، حيث شكلت كلٌ من مالي وبوركينا فاسو والنيجر تحالفاً في وجه الدول التي تطمع باستعمارها، في أعقاب تحررها من الاستعمار الفرنسي حديثاً، وعلى الرغم من إصرار فرنسا على الإبقاء على وجودها هناك رغم ظهور موجة عارمة في عموم القارة الإفريقية لرفض الوجود الفرنسي، ورغم تأجج الكراهية ضد الوجود الفرنسي في كل أنحاء القارة، وعند إصرار فرنسا على البقاء في النيجر حيث أبقت على قواعدها وسفارتها هناك إلا أن النظام الجديد رفض الوجود الفرنسي جملة وتفصيلاً ، وأصر على التخلص من الوجود الفرنسي كاملاً، فقامت فرنسا بسحب جزء من هذه القوات ظناً منها أنها بهذه المناورة مع الحكومة النيجرية يمكن أن تبقي القسم الآخر، إلا أن هذا لم يُرضِ الحكومة في نيجيريا ومازال الجدل قائماً بين الطرفين لسحب كامل القوات الفرنسية من الأراضي النيجرية، وهذا سيتحقق أمام إصرار الحكومة النيجيرية.
نعتقد أن فرنسا بتصرفاتها هذه مازالت تعيش أحلام عهدها الاستعماري البغيض، دون أن تدري أن الزمن قد تغير وأصبحت الشعوب تقرر مصيرها بنفسها وأنها لن تسمح بالعودة إلى الوراء، وإذا لم تقتنع فرنسا بهذه الحقيقة فإن سياستها في كل مكان وزمان محكوم عليها بالفشل الذريع ولن تجد أحداً يؤيدها في العالم، وأول الشامتين فيها وبإخفاق سياستها هم حلفاؤها الغربيون.
وعلى ما يبدو فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يقرأ التاريخ جيداً، لذلك كانت فترة حكمه الأولى مليئة بالإخفاقات، وتضاعفت هذه الإخفاقات منذ بداية فترته الثانية، وما يدل على ذلك بقوة المسيرات والإضرابات التي عمت شوارع المدن الفرنسية كلها، حيث يصف بعضهم الأوضاع في عهد حكم ماكرون بالأسوأ في تاريخ فرنسا سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي.
على أي حال الشعوب الإفريقية التي نالها ما نالها من الاستعمار الفرنسي بسنواته الطويلة لن تقبل بعد الآن بالتحكم بمصيرها من قبل أية دولة من دول العالم، مهما اشتدت قوتها، فكيف بفرنسا التي تشهد تراجعاً منذ سنوات في قوتها ومكانتها واضمحلال دورها على صعيد السياسة الدولية، ولاسيما بعد أن ارتضت أن تكون ذيلاً للسياسة الأميركية التي لا تقدم لها سوى الفتات.
tu.saqr@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار