إن عُرف السبب بطل العجب.. توقف 60 بالمئة من المنشآت الحرفية للدباغة وقفزات سعرية مرعبة بالحقائب والأحذية والألبسة
تشرين – حسام قرباش:
يستمر مسلسل ارتفاع الأسعار بعد رفع سعر المحروقات ليطول في حلقته الحالية المنتجات الجلدية بكل أشكالها كالحقائب المتنوعة والأحذية والألبسة وغيرها، والمتتبع لأسعار هذه المواد في أسواق دمشق يدرك القفزات السعرية الكبيرة في المصنوعات الجلدية المحلية، حيث يتراوح سعر الحذاء الرجالي من الجلد الطبيعي من 175 إلى 275 ألف ليرة، بينما حقائب السفر تراوحت أسعارها حسب القياس؛ الصغيرة 225 ألف ليرة والوسط 255 ألف ليرة و الكبيرة 345 ألف ليرة مع وجود أنواع أخرى أكثر من ذلك بكثير، أما الحقائب المدرسية فتبدأ أسعارها من 50 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة حسب حجمها ونوعيتها، حتى إن سعر الحزام الجلدي الطبيعي وصل لسعر 75 ألف ليرة.
صعوبات جمة
عدّ أحمد مملوك المسؤول المالي في الجمعية الحرفية لصناعة الجلديات، والتي تنتظر اختيار لجنة مؤقتة لتسيير أعمالها خلال الأيام القليلة المقبلة، في تصريحه لـ”تشرين” أن دباغة وصناعة الجلود تعاني قبل ارتفاع أسعار المحروقات من شح المواد الأولية (الجلد الطبيعي) نتيجة قلة أعداد الثروة الحيوانية وقلة الذبح.
“جمعية الجلديات” تطلب استيراد الجلود نصف المصنَّعة لأنه أقل تكلفة واستهلاكاً للمياه والمحروقات
مؤكداً أن المشكلة الرئيسة في الدباغات ليست المحروقات، إنما قلة الجلد وقلة المياه بشكل كبير في مدينة عدرا الصناعية، وخاصة أن دباغة الجلود أكثر صناعة تستهلك المياه، حيث كل قياس قدم من الجلد يحتاج 100 ليتر ماء.
وأشار إلى أنه مع رفع سعر المحروقات ارتفعت أسعار المنتجات كأي صناعة أخرى، لأن تجفيف الجلود الخام يتم في آلات تعمل على المازوت وتستهلكه بكثرة وبالتالي سترتفع التكلفة، حيث تجفف الجلود على البخار ولم يعد تجفيفها بالطريقة البدائية القديمة تحت أشعة الشمس والهواء يعطي إنتاجية عالية وجودة للجلد المدبوغ.
الواقع غير مطمئن
يبلغ عدد المنشآت الحرفية الرسمية العاملة بدباغة الجلود حوالي 80 محضر دباغة وبعضها يعمل بالتشاركية، بمعنى؛ كل محضر فيه دباغتان أو ثلاث لاتساع المحاضر مع عدم وجود دباغات إلّا في ريف دمشق بعد نقلها من منطقة الزبلطاني بدمشق، كما أوضح في حديثه لافتاً إلى توقف حوالي 60٪ من هذه المنشآت عن العمل في الوقت الحالي لضعف السوق بشكل عام وتفاقم مشكلتي نقص المياه والجلود الخام التي كان فيها فائض قبل الأزمة .
وتابع بقوله: كنا نستورد الجلد المصنَّع والخام وحالياً المسموح به استيراد الجلد الخام (المملح)، حيث طلبت الجمعية من وزارة الصناعة استيراد الجلود نصف المصنَّعة الأفضل صناعياً لأنه أقل تكلفة واستهلاكاً للمياه والمحروقات، علماً أن هناك عدة عقود طلبات من بعض الجهات لمنتجات جلدية خاصة الأحذية، إلّا أن البعض لا يستطيع الالتزام بتنفيذ هذه العقود لعدم توفر الجلد وقلته.
تدهور أم تطور
يشير مملوك إلى امتلاكنا صنفاً جلدياً جيداً هو جلود الأغنام التي لا تستعمل كثيراً عندنا لكنه بالوقت ذاته مرغوب في السوق الخارجية أكثر لصناعة الألبسة (الجاكيت الجلدي)، فيمكننا تصديره وبالتالي تحقيق إيرادات للخزينة العامة، كما كانت إيطاليا تستورد من عندنا الجلود ومنها تدخل السوق الأوروبية وكذلك تصدر المصنوعات الجلدية للدول المجاورة مثل العراق كالأحذية والشرقيات الجلدية لأنها أرخص سعراً بالنسبة لهم وتكلفة اليد العاملة أقل من الخارج.
و رغم كل ما قيل من صعوبات تعترض هذه الصناعة الحيوية التي كانت تشكل المورد السابع للخزينة العامة، غير إن أصحاب المدابغ مبدعون، كما وصفهم، لأن الجلد السوري المصنَّع يحتل عالمياً المرتبة الأولى والمدابغ عندنا متطورة وتنتشر على مساحات كبيرة، فهذه الصناعة برأيه تحتاج الدعم لأهميتها الاستثمارية وجدواها الاقتصادية بحسن استغلال هذه الثروة الصناعية وتأمين متطلباتها للاستفادة من الجلد الطبيعي بكل مراحله لا أن تكرر تجربة بعض الدول كدول الخليج التي تخسر بعدم استغلال الجلود ورميها كنفايات.
المطلوب
ودعا لحل المشكلة (العويصة) لهذه الصناعة بتوفير مصادر المياه لأن الصناعي يضطر إلى شراء صهريج الماء الكبير بـ500 ألف ليرة حتى تستمر الدباغات بالعمل، ما يترتب عليه زيادة الكلف على المنتج وبالتالي يضعف الطلب عليها إضافة لحل مشكلة نقص الجلود، مبيناً وجود قرار في الصناعة قيد الدراسة للسماح باستيراد الجلد نصف المصنَّع.
وأضاف: يوجد بديل عنها حالياً هو مادة (المشمَّع) الذي يقترب سعره اليوم من سعر الجلد رغم ضعف كفاءته العملية، عدا عن تسببه بالحساسية وقصر عمره الافتراضي، حيث يتشقق ويهترئ بعد ستة أشهر على عكس الجلد الطبيعي الذي يدوم لسنوات، وطالب بمنح التسهيلات لخفض أجور الشحن والنقل عند التصدير لأن الجلديات خفيفة الوزن ورخيصة الثمن في الخارج قياساً لأسواقنا المحلية لمحدودية الدخل كما ذكر.
بدوره رئيس لجنة صناعة و دباغة الجلود عبد الملك دنو وبنظرة تفاؤلية لهذه الصناعة بالغة الأهمية الاقتصادية وتمثيله لشريحة اجتماعية قوامها 100 منشأة صناعية حسب رأيه، يؤكد وجود نهضة مهمة في صناعة الدباغات حتى وإن كانت تسير في مجال التوقف، إلّا أنه قال: نجدد النشاط لهذه الحرفة من خلال الدعم الحكومي وعلى أعلى المستويات وأنه من البدهي رفع سعر المنتجات الجلدية بعد رفع أسعار المحروقات، مشيراً إلى حاجة هذه الحرفة المهمة لدراسة الأسباب والنتائج والصعوبات المتعددة وإعادة تقييمها لما تشكله بقوامها الاقتصادي كأهم روافد وعوائد الاقتصاد الوطني.