يوم عالمي للإنترنت الآمن.. العالم قرية وادعة أم وحش افتراضي؟
تشرين- د. منذر علي أحمد:
استشعر بعض الناس في المقولة الشهيرة (الإنترنت جعل العالم قرية صغيرة) أول إطلاقها بعض المغالاة، ولكن مع مرور الوقت أثرت الشبكة العنكبوتية في البشرية تأثيراً هائلاً، وفي حياة مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، فهي لم تقدم فرصاً جديدة فحسب، لكنها أبرزت أيضاً أنماطاً جديدة من التحديات لم تكن معروفة لأطفال ما قبل عصر الإنترنت، من هنا برزت مخاوف عديدة هل تحول العالم بفضل الإنترنت إلى قرية وادعة، أم إلى وحش كامن سيبتلع القرية ومن فيها؟
بطبيعة الحال مع وجود بعض المعارضين فإن الاعتراف بحقيقة تربع الإنترنت على عرش وسائل الإعلام والاتصال أصبح أمراً لا مفر منه، وبدأت الدراسات تتحول من التركيز على وسائل الإعلام التقليدية إلى دراسة وسائل الإعلام الجديد الذي بات يدخل في تفاصيل حياتنا اليومية ويؤثر فيها بشكل كبير، ما فتح أمام المهتمين بالدراسات الإعلاميّة آفاقاً رحبة جديدة، وتطرح شبكة الإنترنت رؤى عدة جديدة تقع في لب المحاور الأساسيّة لدراسات الاتصال والإعلام، تتحدى بها النظريات الاتصالية التقليديّة والمفاهيم التقليديّة لعملية الاتصال وأطرافها.
وتحولت كل وسيلة إعلامية إلى أدوات قوية وأسلحة ذات حدين حسب استخدامها، وأصبحت ذات تأثير في حياة الإنسان، فقد عمد الإنسان إلى وضع الضوابط والقواعد والأعراف الناظمة والضابطة لكل وسيلة إعلامية دخلت حياته بهدف تطويرها وضبط ايقاعها وتأثيرها، من هنا جاءت أهمية تكريس يوم عالمي لكل وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري التي عرفها الإنسان.
يوم لوسائل الإعلام التقليدي
خصص الثالث من أيار يوماً عالمياً لحرية الصحافة وهو تذكير للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، وكما أنه يوم للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة، ويتم الاحتفال به سنوياً بناء على توصية من المؤتمر العام لليونيسكو منذ عام 1993، وحددت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) يوم 13 شباط من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بالراديو، ويرجع ذلك الاختيار إلى اليوم الذي بدأ فيه بث أول إذاعة للأمم المتحدة في عام 1946، وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة 1996 يوم 21 تشرين الثاني يوماً عالمياً للتلفزيون لما له من دور في صنع القرار من خلال لفت انتباه الرأي العام إلى المنازعات والتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن ودوره المحتمل في زيادة التركيز على القضايا الرئيسة الأخرى.
يوم لوسائل الإعلام الجديد
يُحتفل منذ عام 2005 عالمياً باليوم العالمي للإنترنت، International Internet Day.
لم يصل الإنترنت إلى ما وصل إليه اليوم إلا بالاستفادة من آلاف الابتكارات، لكن بعض النقاط في تاريخ تطوره اعتبرت مفصلية.
اعتمد تاريخ 29 تشرين الأول من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بالإنترنت، لأنه اليوم الذي أُرسلت فيه أول رسالة إلكترونية من كمبيوتر إلى آخر، وحصل ذلك في عام 1969 في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وأصبح لزاماً على المنظمات الدولية الالتفات إلى مسألة التأثير الكبير الذي أحدثه الإنترنت في مختلف شرائح المجتمع خاصة الشباب والأطفال، وفي ظل التطور المتسارع الذي تشهده هذه الوسيلة التي حولتنا من مجرد متلقين سلبيين إلى مستخدمين فاعلين يحتاجون إلى معرفة ما لهم وما عليهم في هذا العالم الافتراضي بما يحويه من أخطار تشمل انتشاراً للجريمة الإلكترونية والتنمر والتحرش الإلكتروني وغيرها، فالإنسان في مواجهة مستمرة مع تحديات هذا العالم المتطور، وهو بحاجة إلى تذكير وتعليم وتنبيه مستمر بأهمية الحفاظ على أمنه عند إبحاره في محيط الإنترنت الواسع.
اليوم العالمي للإنترنت الآمن
ومن هذا كانت أهمية اليوم العالمي للإنترنت الآمن، حيث يحتفل العالم في الخامس من شباط من كل عام بهذا اليوم Safer Internet Day وهو مبادرة عالمية للترويج لاستخدام الإنترنت بشكل أكثر أمناً، وخصوصاً لدى الأطفال، ويعني مفهوم “أمن الإنترنت” إبقاء المعلومات الخاصة تحت سيطرة الشخص المباشرة والكاملة، أي تأمين عدم إمكانية الوصول إليها من أي شخص آخر من دون إذن، وأن يكون الشخص على علم بالأخطار المترتبة على السماح لشخص ما بالوصول إلى المعلومات الخاصة، ويهدف هذا اليوم العالمي إلى رفع مستوى الوعي بالتحديات التي تواجه الإنترنت ومستخدميه، خاصة اليافعين منهم، كما يهدف أيضاً إلى توسعة نطاق الوعي أيضاً بالجرائم المرافقة لاستخدام الإنترنت.
وحدد مخترع “الويب” تيم برنرز لي اليوم ثلاث مشكلات رئيسة تؤثر في شبكة الإنترنت: أولها، النية المتعمدة والخبيثة، حيث تشمل أيضاً القرصنة والهجمات التي ترعاها الدولة والسلوك الإجرامي والتحرش عبر الإنترنت، وثانيها تصاميم النظام، حيث يتم تخويف المستخدمين والتركيز على الإيرادات القائمة على الإعلانات والانتشار الفيروسي للمعلومات الخاطئة، أما المشكلة الثالثة فهي الآثار السلبية غير المقصودة للتصميم الخيري، مثل النبرة الغاضبة والمستقطبة وجودة الخطاب عبر الإنترنت.
وأعطى تيم برنرز لي أهمية بالغة للقرصنة والعمليات الخبيثة التي يتعرض لها الأفراد والشركات والمجتمعات التي تعتمد على الإنترنت، فكان لزاماً على الشركات أن تحمي نفسها في هذا العالم الافتراضي الذي لا تقل فيه السرقة خطورة عن تلك التي قد يتعرض لها الشخص في العالم الحقيقي، ونشر موقع DW الألماني تقريراً يفيد بأن نصف مستخدمي الإنترنت يقعون ضحايا للجرائم الإلكترونية، ففي ألمانيا مثلاً سقط أكثر من واحد من أصل اثنين من مستخدمي الإنترنت ضحية لمجرمي الإنترنت خلال السنة الماضية، وسجل خبراء الجريمة في العالم الافتراضي زيادة في نسبة الجرائم بنسبة 5 بالمئة مقارنة بالسنوات الماضية.
ولما كانت شبكة الإنترنت منذ نشوئها نهاية الستينيات كمشروع للبحوث والدفاع في الولايات المتحدة تحت اسم ARPANET الشبكة الأوسع والأكثر عرضة لوقوع مثل هذه العمليات؛ شكل عامل الأمان هاجساً كبيراً للعاملين في تطوير هذه الشبكة، حيث تمت مراعاة الناحية الأمنية للمعلومات وضمان حسن تدفقها والوصول إليها بشكل مستمر، وقد تم تحقيق ذلك من خلال تقسيم المعلومات والمذكرات ووضعها داخل ظروف إرسال مختلفة وإرسالها عبر خطوط اتصال متغيرة.
وينظر البعض إلى مسألة الاحتفال بـ”اليوم العالمي للإنترنت الآمن” على أنه نكتة في زمن التجسس والسيطرة، ويعتبرون مفهوم أمن الإنترنت مقاربة صعبة التحقق، فـ”الحكومات تسيطر على الإنترنت والـولايات المتحدة الأميركية تسيطر على الحكومات، بل على كل شاردة وواردة”.
موقع «العربي» ذكر في مقالة نشرت في عام 2016 حملت عنوان “يوم الإنترنت الآمن.. طرفة في زمن السيطرة” تحدث فيها عن اليوم العالمي للإنترنت الآمن وقال: “ما يزيد المفارقة طرافة أن الاحتفال هذا العام جاء بعد أسبوع فقط من إقرار اتفاقية “درع الخصوصية” التي يقول عنها منتقدوها إن الولايات المتحدة الأميركية هزمت بها الاتحاد الأوروبي في عقر داره، وهو الذي وقف عاجزاً عن وضع حد لتدخلات أميركا المقيتة وتجسسها”.
وحسب استطلاع أجرته «غوغل » في عام 2019 ضم مجموعة من الأهالي والمعلمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبين أن أغلبية المشتركين يؤيدون أهمية تعليم الأطفال مبادئ وأسس البقاء بأمان على الإنترنت بدءاً من سن العاشرة، كما أظهر الاستطلاع أن 43 في المئة من المعلمين يناشدون الأهالي لتكريس المزيد من الوقت لتعليم الأطفال في المنزل كيفية البقاء بأمان على الإنترنت، وأعرب نحو 85 في المئة من المعلمين عن رغبتهم في الحصول على مواد تعليمية لتعريف الطلاب بالأمان على الإنترنت والمواطنة الرقمية. وكان الاتحاد الأوروبي قد أصدر بياناً مشتركاً بمناسبة اليوم العالمي للإنترنت الأكثر أماناً أبرز فيه الحاجة إلى رفع الوعي والعمل بشأن السلامة على الإنترنت.
وكحالها في معظم المجالات الأخرى لا تزال الدول العربية متأخرة بالاهتمام في هذا المجال وما زالت مشاركاتها شكلية وخجولة ولا تحمل أي بذور جدية أو أي أفكار تطورية حول هذا الموضوع فهي في مجملها لم تعط اليوم العالمي للإنترنت الآمن الأهمية التي يستحقها، باستثناء بعض الدول كالإمارات العربية المتحدة التي أبدت اهتماماً متزايداً بهذه المسألة وغيرها، ومصر التي بدأت تبدي اهتماماً كبيراً بأهمية المشاركة الفاعلة في فعاليات اليوم العالمي للإنترنت الآمن.
وبما أن الفجوة والأخطار الرقمية تزداد يوماً بعد يوم ويسهل وقوع الأطفال فريسة لها، فعلى بقية الدول العربية أن تعي أهمية استنباط واتباع المعايير الدولية التي تمكّن أبناءها وخاصة الشرائح العمرية الصغيرة من حماية نفسها من أخطار هذا العالم الافتراضي عبر استخدام التدابير الوقائية التي تمكنهم من ذلك.