ساحةُ «السبع بحرات» وحكايةُ قرنٍ من الزمان
تشرين- سامر الشغري:
يعدّ تشييد الساحات العامة شكلاً معمارياً حديثاً في مدينة دمشق أقدم عواصم التاريخ، فهذه المدينة التي أخذ طابع عمارتها منذ أيام الرومان شكل الرقعة الشطرنجية، لم تعرف بناء الساحات حتى مطلع القرن العشرين مع ساحة المرجة نهاية الاحتلال العثماني، والسبع بحرات في بدايات الاحتلال الفرنسي.
ساحة السبع بحرات التي بنيت قبل نحو 100 عام، إذ شيدت سنة 1925، كانت حلاً عسكريا بامتياز تفتقت عنه أذهان مهندسي العمارة لدى سلطات الاحتلال الفرنسي، فهي وضعت في رأس شارع بغداد الذي شق لتسهيل ملاحقة الثوار الذين يقضّون مضاجعها في مهاجمة مراكزها في ساحة المرجة، ثم الاختفاء في بساتين عين الكرش التي كانت تشكل امتداداً واحداً مع بساتين الصالحية في الغرب، وبساتين الزبلطاني وعين ترما وصولاً لأعماق الغوطة في الشمال الشرقي.
ويروي الباحث الدمشقي عماد الأرمشي في كتابه (ساحة السبع بحرات والنصب التذكاري للضابط ديكاربانتيري)، أن سلطات الاحتلال الفرنسي فقدت خلال معركة خاضتها مع الثوار في 11 أيلول من عام 1925 ضابطاً كبيراً عالي الشأن هو الكولونيل غاستون ديكاربانتيري الذي كان قائد فيلق الهيجانة في منطقة تدمر، وكان مسؤولاً بحكم منصبه عن مناطق واسعة تمتد من البادية لأطراف الغوطة.
لقد صدم مقتل هذا الضابط سلطات الاحتلال، فهي لم تفقد أبداً ضابطاً بهذه المكانة سابقاً، فعمدت إلى تشييد صرح يحمل اسمه حمل شكل العمارة المملوكية الذي طالما اتسمت به دمشق، فجاء على شكل قبة قوسية كبيرة تحملها أربعة أعمدة شكلت محراباً من الحجارة البيضاء والسوداء، كتب عليه عبارة باللغة العربية عن اسم الضابط الفرنسي وتاريخ ولادته ووفاته، وبني حول القبة خمس بحرات مائية مختلفة الأحجام أكبرها في أسفل التكوين.
واستمر هذا النصب قائماً حتى جلاء المستعمر عن أرض الوطن، إذ أمر رئيس الجمهورية الأسبق شكري القوتلي بهدم القبة لأنها تحمل ذكرى ضابط من جيش الاحتلال، ولتكريس محو آثار الاحتلال من المكان أكثر، حملت الساحة اسماً جديداً اسم 17 نيسان، وهو ذكرى الاستقلال، ولكن الناس لم يعتادوا هذا الاسم، واستمروا يطلقون عليها اسم السبع بحرات، وهنا لا بد من تصحيح هفوة وقع بها بعض المثقفين والأدباء، بأن القوتلي حافظ على قبة ديكاربانتيري، وهو أمر غير صحيح أبداً.
وفي سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد حرب تشرين التحريرية، طالت الساحة تعديلات أخرى، فأضيفت إليها نوافير لضمان خروج المياه منها، وأصبحت تسميتها الرسمية «ساحة التجريدة المغربية» تقديراً للدور الذي قامت به هذه القوة العسكرية من المغرب في حرب تشرين 1973، ولكن الناس لم يعتادوا هذه التسمية أيضاً، واستمروا يطلقون على الساحة اسم السبع بحرات.
والآن في زمننا الحالي شهدت الساحة التعديل الثالث في غضون قرن، ووضع في قلبها كرة معدنية ضخمة من مادة الكروم مفرغة، وفي سطحها نجوم هندسية الشكل، ليحمل هذا التصميم شكلاً مغايراً كلياً عن الأشكال السابقة التي عرفتها الساحة على مدى قرن من الزمان.
وهكذا لم يظل من التصميم الأول لساحة السبع بحرات إلا الاسم الذي صمد في وجه التغييرات، بينما استسلمت في كل مرة بقية مكونات الساحة لمطارق الهدم والبناء التي أعطتها مع كل حقبة لبوساً مختلفاً ينتمي لهذا العصر أو ذاك.