(السفربرلك).. شبابُ الجامعة العربيّة الدوليّة يُمسرحون (أيام الجوع) على خشبة مسرح الحمراء
تشرين- لمى بدران:
يبدو أن التاريخ فعلاً يعيد نفسه بطريقةٍ أو بأخرى، فكما كان العثماني والفرنسي والبريطاني يمارس ما يمارسه لخلق الظواهر الاجتماعيّة والنفسيّة والاقتصاديّة المترديّة في أرضنا، والتي أدّت منذ أكثر من مئة عام إلى أن يعيش الناس أقسى أشكال الحرب من جوع وحرمان ومآس لا تحصى، وهي على وجه التّحديد أيّام «السفر برلك» التي لا نستطيع أن نذكر منها إلا أن كل عضّة من سفرجلها بغصّة.
اليوم أعادت تلك الأيام جوعها وقهرها في السنوات المؤخّرة وربما بشّدة أكبر نتيجة الحرب الظالمة التي شُنَّت على سورية من كلّ جهاتها، وهذا أَلهَمَ الدكتور عجاج سليم أن يقول ما قاله سعد الله ونوس بأن ما يَحدث هو ليس نهاية التاريخ، وأن يَعمل على إعادة عرض مع جعله «عرض تخرّج» لمسرحية بعنوان « سفر برلك- أيام الجوع» التي سبق أن أخرجها منذ ثلاثين عاماً، ولكن بفن تتدلّى منه الواقعية والأساليب المعاصرة في العرض وبمغامرة كبيرة آمن خلالها بمقدرات( ١٩ ) طالباً من طلّاب الدفعة الأولى – قسم التمثيل من الجامعة العربية الدولية، وذلك على خشبة مسرح الحمراء بدمشق.
ستة أيام من العرض المستمر، والذي كان جمهور الختام فيه كجمهور الافتتاح من حيث العدد والتعطّش لحضور هذا النوع من المسرحيات ذات الزّخم الكبير من الأحداث المتتالية التي تجسّد تاريخنا وتراثنا والقضايا الراهنة الملتصقة بنا، وهذا اختيار دقيق من قبل الدكتور عجاج لنص المؤلّف الراحل ممدوح عدوان الذي طالما راهن على نبوءته، والتي جاءت متلائمة من حيث التوقيت مع الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.
تمتّع العرض بمستويات متفاوتة من الحكائيّة والاستعراضية التّراثيّة وأيضاً الغنائيّة التي اعتقد بعض النّقاد ومنهم عماد الدين ابراهيم أن دورها كان بسيطاً في المسرحية ومن الممكن الاستغناء عن الفرقة الموسيقية التي اعتلت الخشبة واستبدالها بمواد غنائية مُسجّلة، كما تضمنّت المسرحيّة مجموعة متنوّعة من النماذج البشريّة التي عانت من الحرب، فكان أبرزها الشاب المجنون الذي افتعل جنونه للبقاء جانب امرأة يحبها ولعدم أخذه «عالأخد عسكر»، والمختار الذي لا موقف محدّداً له والشيخ الناصح والباشا المتسلّط والمرأة التي تبيع جسدها «للدّرَك»من أجل إطعام أطفال القرية والعجوز التي تجسّد التاريخ المُراقِب الذي يرصد كل شيء وغير ذلك.
كما تميّز العرض بالنزوع إلى الصوفيّة في العديد من المشاهد التي تخترق الوجدان من خلال أناشيد تناجي الله وحركات تشبه المولوية وصلوات ونداءات للخالق، تجعل الغصّة تقف على أعتاب الحناجر الحاضرة ليعقبها الرقص أو الغناء أو المشهد الكوميدي، ما يزيل غمّة الألم، وهذا يخلق حالة من الزّهد الذي يرافقه الأمل وحب الحياة بكل ما فيها، وربما هذا يفسّر أيضاً الزّجل والزغاريد والأهازيج التي يطلقها أهالي القرية عند كل مصيبة تحل بهم في المسرحيّة.
المخرج عجاج سليم يشعر بأن هؤلاء الشباب – الطلبة أمانة في الأعناق، وهو يراهن على كل شخص منهم أنه نجم في المستقبل عندما توظّف إمكاناته في مكانها بالأدوار، كما راهن تماماً من قبل على أسماء كثيرة منها الفنان الراحل نضال سيجري وشكران مرتجى وخالد القيش ومحمد حداقي وغيرهم…. وإنهم خلال أربعة أشهر كانوا يعملون بجهد على خلق التفاصيل وليس العناية بها وتنفيذها فقط خلال معسكر مغلق من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، وبعد انتهاء العرض الذي قيّمه أكثر من جيد ينتظر الكثير من الشباب الذين عدّهم جسور المستقبل، وكسر لهم حاجز الإحساس بأنهم لا يستطيعون فعل شيء في هذا الوقت وتحت تأثير هذه الظروف.