اختراعُ «الإنترنت»
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
باتت متابعة أحدث ما ينتجه العلم خلال السنوات الأخيرة تتطلب ممن يتصدى لها بذل جهد خارق، ودأباً يتجلى خلاله ما يمكن أن يطلق عليه النص الطويل، فقد مرت تلك السنوات الخوالي التي كان الإنسان فيها يغط في نوم عميق قبل أن يفيق بين حقبة وأخرى على اختراع هنا، واكتشاف هناك، فاليوم، تعيش البشرية في ظل ثورة حقيقية اختصرت في تسارعها، وفي مدى الإمكانات التي أتاحتها قروناً طويلة كان يتم قطعها قبل أن تبزغ هنا أو هناك فكرة، ويتم الاشتغال عليها بمثابرة، وربما بمغامرة كانت في بعض الأحيان أقرب إلى الجنون.
فمَنْ كان يصدّق أن نشهد ونعايش هذه الثورة الهائلة في الاتصالات وفي المعلوماتية، وأن نتعامل مع أحدث الاكتشافات العلمية الأخرى بذلك السر، ومَنْ كان يصدق أن نتمكن من مشاهدة ما يحدث في أقصى بقعة من هذا العالم في اللحظة نفسها التي تقع فيها الأحداث، وأن نتابع وقائعها ثانية بثانية؟.
لقد أصبحنا نعيش في ثنايا زمن باتت المعرفة تنفتح فيها أمامنا، وتصيبنا بالدهشة، لكنها، وهذا هو الأهم، باتت تيسّر على الإنسان في هذا العصر ما كان قبل سنوات قليلة مستحيلاً.
أذكر ما حدث في عقد التسعينيات عندما أصبحت شبكة المعلومات العالمية «الإنترنت» متاحة لنا في الدول العربية، وبدأنا نستخدمها للبحث عن المعلومات، حينها قال لي أحد الأصدقاء تشبيهاً طريفاً يلخص حالتنا المعرفية في الدول العربية وقتئذ: «وأنا أستخدم الإنترنت أشعر كمن يريد أن يصطاد سمكة وسط المحيط باستخدام غواصة، وإنها لمهمة مستحيلة».
وكان قوله حقيقياً في ذاك الوقت، فقد كانت محركات البحث أيامها تستغرق وقتاً طويلاً جداً في ملء شبكة صياد المعلومات بالأسماك المتاحة في محيط الإنترنت، ورغم مقولته تلك ظل صاحبي هذا يبحث، ويبحث عن معلومة جديدة على الشبكة، فقد أصبح الإنترنت مكوناً أساسياً في أبحاثه واتصالاته.
وهكذا فقد أضحت غواصة الأمس، وكأنها سيارة اليوم، فقد أصبحت سلعة أساسية لا ترفيهاً، وأضحى محيط المعلومات الإلكتروني هو الشارع الذي ننزل إليه كلنا يومياً، ولم يعد مجرد مصيفٍ نذهب إليه في أوقات الإجازات لنلهو بعض الوقت.
بالفعل، يحتاج ترسيخ العلم إلى نَفَسٍ طويل واستمرارية، ولكنه يتقدم كل يوم، بل كل ساعة، وإن لم نتابعه، سنغرق كما يغرق الطفل في المحيط إذا لم يتعلم ويتدرب على السباحة، فلنتدرب جميعاً على السباحة في بحر الإنترنت.