(المدير النزيه) في الدراما والسينما.. أيمن زيدان وفريد شوقي نموذجان
تشرين- سامر الشغري:
من بين عشرات الأعمال التي قدمتها السينما والدراما العربية، وعالجتا من خلالها ظاهرة الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية، سيطر على أغلبها نماذج سلبية للشخص للمسؤول مثل (الدغري) للفنان دريد لحام و(معالي الوزير) لأحمد زكي وكثير غيرها.. هناك بالمقابل نسبة أقل بكثير قدمت صورة إيجابية للمسؤول ولعلّ أبرزها عملان لممثلين مبدعين هما فيلم (الموظفون في الأرض) للراحل فريد شوقي و(مسلسل يوميات مدير عام( للفنان أيمن زيدان.
يدور كلا العملين حول مدير عام شريف ونزيه يواجه عبثاً واقع الفساد المستشري في مؤسسته، ويحاول مكافحته بنية طيبة وإخلاص، وهذا تقديم مبتكر للشخصية المسؤولة التي اعتدنا أن نراها في أعمالنا العربية بأنها راعية للفساد، وبأنّ المسؤول لا يعدو أن يكون سوى شبكة عنكبوتية يدور حولها.
وخلال أحد حواراتي مع المخرج الراحل هشام شربتجي، سألته عن الدافع لتقديم صورة غير نمطية للمسؤول كما في (يوميات مدير عام)، فأجابني حينها بأنه كان لديه مقولة بأنّ الفساد الإداري في مجتمعاتنا لا ينبع من القمة، بل من القاعدة، وأنّ النظرة الاجتماعية للموظف الفاسد تبدلت كلياً، وأصبح يوصف بالشطارة والحيلة.
ورغم أنّ العملين أُنتجا في أعوام متباعدة، إلّا أنّ فيهما عدداً من القواسم المشتركة، ففي كليهما يفشل البطل في مقاومة الفساد، ويتراجع أمامه بطريقة تظهر العجر والاستسلام.. ففي (فيلم الموظفون في الأرض) ينتهي بطريقة مسرحية، عندما يحاكم المدير النزيه لأنه لم يرغب أن يتورط بقضايا الفساد في مؤسسته، أمّا في (يوميات مدير عام) فالبطل يقرر مغادرة مؤسسته وتقديم استقالته بعد أن وجد أنّ الفساد عاد إليها بصورة أكبر، عندما غاب عنها بضعة أيام، ويقول للمشاهدين من وراء زجاج سيارته المفيم “عوجة”، ليكرر المدير هذا الفشل في الجزء الثاني الذي أنتج بعد عشرين سنة.
ومن القواسم المشتركة أيضاً اسم البطل الذي اختير للكناية على حالته النفسية، وعلى مبدأ لكل امرئ من اسمه نصيب، ففي (فيلم الموظفون في الأرض) الذي أُنتج سنة 1985 يلعب الراحل فريد شوقي شخصية (كامل عبد الشكور)، وفي يوميات مدير عام إنتاج سنة 1994 يلعب أيمن زيدان شخصية الطبيب (أحمد عبد الحق)، ومن استخدام كنى مشتقة من أسماء الله الحسنى، نلمس هذا التقصد الواضح من القائمين على العملين في اختيار أسماء مرتبطة بوجدان الناس بالعفة والاستقامة.
وفي كلا العملين أيضاً نجد شخصية الموظف الثاني الشرير الذي يحاول الإيقاع برئيسه النزيه، وهو في (الموظفون في الأرض) مدير العقود (فايد عبد الغني) ولعب دوره الراحل سمير صبري حيث حاول إقناع المدير بالحصول على رشوة مستغلاً سوء أحواله المادية وحاجته إلى المال، ولكن (عبد الشكور ) رفض ولجأ كي يسدد ديونه وينفق على زفاف ابنته إلى التسول في خيار دراماتيكي أراده المؤلف بهجت قمر.
ذات الشخصية نجدها في (يوميات مدير عام) مع نائب المدير الفاسد (الأستاذ ممدوح) والذي أدى دوره الراحل خالد تاجا، محاولاً بطريقة كاريكاتورية ساخرة جر المدير العام إلى جو الفساد وتلقي الرشا، وبعد جهد جهيد يستطيع المدير الإيقاع به بفضل تعاون رجال الأمن.
وفي كلا العملين تشكل عائلتا البطلين ضغطاً إضافياً أمام محاولتهما مقاومة الفساد والوقوف بوجهه، ففي (الموظفون في الأرض) هناك زوجة عبد الشكور ولعبت دورها الراحلة شويكار بطلباتها التي لا تنتهي، وابنه الشاب المستهتر سمير ولعب دوره وائل نور، بناته سمية الألفي وليلى علوي التي تريد الزواج من خطيبها، وتحتاج إلى تأمين جهاز عرسها.
الأمر ذاته نجده في (يوميات مدير عام) مع عائلة الدكتور أحمد، من زوجته ولعبت دورها الفنانة نادين خوري، وابنه الشاب الذي لا يتحمل أي مسؤولية مع الفنان أندريه سكاف، وابنته الوحيدة التي جسدت دورها أمية ملص، وهي أيضا تحتاج إلى نفقات كثيرة لتحقيق حلمها في الزواج من ابن خالتها.
ومع فشل كلا البطلين في تحقيق ما كانا يسعيان إليه، على عادة الدراما والسينما العربية في تفضيل النهاية التراجيدية أو المأساوية،
لم نعد نجد غرارهما في الأعمال اللاحقة، حيث لم تتكرر تلك الصورة المثالية للشخص المسؤول، وهذا يطرح أسئلة شتى حول هذا الغياب الفني وأسبابه وإذا ما كان محاكاة لواقع ما.