بوتين- أردوغان.. لقاء أم زيارة؟ مسار الميدان يتقدم على مسار التقارب.. لكل تحرك ميزان ولكل جبهة أوان

تشرين – مها سلطان:
بانتظار زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. قد تكون في آب الجاري وقد لا تكون، لكن الرئيس التركي رجب أردوغان يأمل أن تكون هذا الشهر، الجانب الروسي لم يصرح حول موعدها، واكتفى بحديث مقتضب جداً حول الاتصال الهاتفي الذي جرى الخميس الماضي بين الرئيس فلاديمير بوتين وأردوغان من دون أن يتطرق إلى موعد زيارة بوتين إلى تركيا، واللافت أن الحديث الروسي كان عن لقاء وليس زيارة، أما عن مكان اللقاء فليس بالضرورة أن يكون في تركيا، وليس بالضرروة أيضاً أن يكون خاصاً، قد يكون على هامش حدث ما، قمةً أو زيارة أو تجمعاً.. وربما في موسكو.
الجانب التركي ومنعاً للحرج – حيث كان من المتوقع الاتفاق خلال الاتصال الهاتفي على موعد محدد لزيارة بوتين – أفاد بأن وزير الخارجية التركي ورئيس جهاز الاستخبارات يعملان مع الجانب الروسي لتنسيق اللقاء، وقد يكون هذا الشهر، ولنلاحظ هنا أيضاً أن الجانب التركي تحدث عن لقاء وليس زيارة.. إلا إذا كان الحديث عن اللقاء يعني تلقائياً أنه سيحدث خلال زيارة بوتين إلى تركيا.
أياً يكن، لا تبدو أمور الزيارة ميسرة، ولا اللقاء، علماً أن الزيارة كان مقرراً لها أن تجري خلال تموز الماضي، لتأتي المواقف التركية خلال مرحلة التحضير لقمة الـ«ناتو» الأخيرة في فيلنيوس/ليتوانيا، ثم خلال القمة، لتلقي مزيداً من الظلال السوداء حول مصداقية تركيا/أردوغان، وحقيقة نياتها، فيما يخص العلاقة مع روسيا، وتالياً الاتفاقات والتفاهمات، وكذلك في سياق التعاون في عدة قضايا إقليمية ودولية.. وصولاً إلى إبداء روسيا علناً امتعاضها من مواقف تركيا، لتدخل بعدها زيارة بوتين تركيا قيد مواعيد مجهولة.
ورغم أن الحديث الأساسي حول أي زيارة أو لقاء بين بوتين وأردوغان يتركز – بالدرجة الأولى- على محاولات تركيا إصلاح ذاتِ البين الذي افتعلته بسياساتها الالتفافية وألاعيبها الدولية واستداراتها في كل مرحلة من دون مراعاة لمصداقية أو ثقة لا بد من تأكيدها بين الحلفاء والأصدقاء عند كل منعطف إقليمي- دولي، وفي كل اختبار يضع هذه المصداقية والثقة على المحك، وفي كل الضغوط التي يتعرض لها الجانبان أو جانب واحد منهما.
ثم بالدرجة الثانية سيتركز على «صفقة الحبوب» وأوكرانيا، وسلاسل العقوبات الغربية على روسيا، ومخططات الناتو وغيرها.
إلا أن سورية أيضاً ستكون حاضرة، وهي من الملفات الأساسية في العلاقات بين روسيا وتركيا، ولاحظنا خلال الأيام الأخيرة الماضية كيف أن روسيا عمدت إلى إرسال أكثر من رسالة ميدانية إلى تركيا عبر إدلب، فيما لا يزال الحديث عن اجتماع رباعي جديد غائباً كلياً، ما يُفهم منه أن الوساطة الروسية ما زالت عالقة عند المواقف التركية الأخيرة.
وحتى يُستجد جديد حول لقاء بوتين – أردوغان، نقلت وسائل إعلام تركية أن أردوغان سيعود إلى الخليج في جولة ثانية خلال هذا الشهر، وهي جولة، كما يبدو، أنها استكمال للجولة السابقة التي جرت في تموز الماضي وشملت قطر والإمارات والسعودية، أما الجولة الحالية فهي تضم كلاً من البحرين وعُمان والكويت، إضافة إلى العراق، وقد تبدأ هذه الجولة من العراق، بعدها ينتقل أردوغان في زيارة رسمية إلى ألمانيا، ثم إلى الهند لحضور قمة مجموعة العشرين «9 و10 أيلول المقبل» ثم يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة «أميركا» يومي 18و19 أيلول أيضاً.
يُفهم من هذا أيضاً، ومع جدول مملوء بالزيارات لأردوغان، أنه لن يكون هناك جديد على مسار الوساطة الروسية، وتالياً على مسار التقارب السوري- التركي. علماً أن هذا لا يعني الجزم، فكل الاحتمالات واردة، وقد يكون هناك تطور من نوع ما، ليس بالضرورة على مسار التقارب، خصوصاً أن حديث الميدان شمالاً وشرقاً يطغى حالياً، سواء بالأخبار المتناقلة المتواصلة بتوسع عن التحشيد والتعزيزات في القواعد الأميركية غير الشرعية في الشمال والشمال الشرقي وفي المناطق المحيطة بها والنيات المبيتة من ورائها.. وسواء على مستوى الجانب التركي الذي يمكن القول إنه في حالة ركون ميداني، ربما، انتظاراً لنتائج التحشيد الأميركي، وهل هو بغرض الدفاع أم الهجوم؟ علماً أن أغلب المراقبين يرونه للدفاع في ظل تضاعف الهجمات التي يتعرض لها المحتل الأميركي والتي وصلت إلى قلب قواعده غير الشرعية.. وأيضاً في ظل تزايد مخاوف المحتل الأميركي من سلسلة تحركات ميدانية مضادة جواً وعلى الأرض وبما يحشره في وضعية المحاصر تمهيداً لإجباره على الانسحاب.

وهناك من يرى أن المحتل الأميركي يسعى إلى توسيع جغرافيا وجوده بمزيد من الوصل الميداني من الشمال إلى الجنوب وبما يشكل «مستعمرة» حقيقية له، إذا جاز لنا التعبير، تفصل بصورة أكثر حدّة بين العراق وسورية منعاً لأي تعاون وبما يضاعف جريمة الحصار الاقتصادي التي يرتكبها المحتل الأميركي بحق سورية وشعبها، عدا أن هذه المستعمرة ستوفر له موطئ قدم دائماً في المنطقة بمواجهة سلسلة المتغيرات الدولية، والخصوم (روسيا والصين)، حيث إن منطقتنا (التي بدأت بتغيير الاتجاه والمسار بعيداً عن أميركا) في قلب هذه المتغيرات باتجاه رسم خريطة جديدة لعالم متعدد الأقطاب.
كل ما سبق متداول، بل إن ما هو متداول أكبر وأعمق وأكثر خطورة، لكن ماذا عن سورية وحلفائها وكيف يرون ميدان الشمال والشرق؟
رغم ندرة التصريحات، وحتى انعدامها في حالات كثيرة، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال عدم الحضور أو الجهوزية أو أنه لا توجد خطط مضادة.. لكن لكل تحرك ميزان ولكل جبهة أوان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار