بالتوازي مع ما يجري في أوكرانيا من حرب أطلسية مع روسيا، تعيد أمريكا طرح روايتها حول السلاح النووي مستندة إلى فيلم (أوبنهايمر) الذي أطلق في الصالات الأمريكية والعالم خلال الأسبوع الماضي، وهذا ما يجعل استعادة درس هيروشيما وناغازاكي ضحيتي القنبلتين الذريتين الأميركيتين مهمّة كي لا تبقى الرواية الأمريكية مسيطرة على إضاءة التاريخ العالمي وفق أهوائها، وكي لا تطمس جريمتها في (سرقة النار) من الآلهة وكي لا يستمر تهربها من عقوبة هذه السرقة، خاصة أنها أحرقت وتحرق.. هددت وتهدد الإنسانية باستمرار.. فما هو درس هيروشيما وناغازاكي؟
في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وبعد استسلام ألمانيا وانتحار هتلر أبلغت اليابان أمريكا بطلبها إجراء مفاوضات لترتيب استسلامها أيضاً. وفي أي حرب يعد بدء استسلام أحد طرفي الصراع انتهاء للحرب وانتصاراً للطرف الآخر. ومع ذلك فإن الإدارة الأمريكية تجاهلت طلب اليابان بالتفاوض حول استسلامها وإنهاء الحرب معها، وأخفت هذا الطلب مروجة بأن اليابان لن تستسلم أبداً، وأرسلت قنبلتين ذريتين قصفت بهما مدينتي هيروشيما وناغازاكي وقتلت وشوهت مئات الآلاف من اليابانيين رغم عدم الحاجة لمثل هذا العمل الوحشي في فاشيته وإجرامه.
وعبر كل هذه السنين التي مرت على هيروشيما تأكد من البحث التاريخي ومن شهادات المعنيين أن أمريكا لم تقصف هيروشيما وناغازاكي بالسلاح النووي لإخضاع اليابان لأن اليابان كانت متجهة للاستسلام فعلاً، لكنها (أمريكا) قامت بهذا القصف لإخافة الاتحاد السوفييتي وإرهابه وردعه.. وهكذا فقد دمرت أمريكا مدينتين وقتلت وشوهت مئات الآلاف من البشر وزرعت المصائب الإشعاعية المستدامة في المنطقة، فقط لإخافة الاتحاد السوفييتي، ويحدثونك عن القانون الدولي الإنساني وينسون أنفسهم!
المفارقة أن الحرب التي تم فيها قصف اليابان بالقنابل النووية كانت فيها أمريكا حليفة وشريكة للاتحاد السوفييتي في مواجهة تحالف ألمانيا النازية مع اليابان، أي إن واشنطن استخدمت السلاح النووي في اليابان ليس ضد اليابان العدو، بل ضد الاتحاد السوفييتي الحليف، وقامت أثناء تشاركها مع السوفييت في الحرب ضد اليابان باستخدام السلاح النووي لردع وإخافة شريكها الاتحاد السوفييتي.. كم من النذالة السياسية يحتاج الزعيم ليقوم بمثل هذا الفعل؟
إن استرجاع لحظة هيروشيما وناغازاكي اليوم مهم جداً، خاصة أن الحرب التي تقودها أمريكا في شرق أوروبا هي تجاه روسيا، وأن تفاقم الصراع الدائر هناك يتردد في جنباته حديث السلاح النووي ويكثر ترداد أمريكا لتحذيراتها عن الأمن والسلام الدوليين بوساطة ما يسمونه الردع النووي في روسيا لمنعها من الدفاع عن نفسها. وكل ذلك يجعلنا ننتبه إلى أن القادة الطامعين بالمكاسب الجيوسياسية والهادفين للهيمنة والسيطرة لا يتوانون عن استخدام أبشع أنواع أسلحة الموت والدمار الشامل، ولا يقصرون في ارتكاب أفظع جرائم الحرب.. ودرس هيروشيما وناغازاكي خير دليل وأوضح مثال.
عندما سأل الضابط المكلف من الإدارة الأمريكية الإشراف على تصنيع القنبلة الذرية المخترع أوبنهايمر عن الاسم الذي يريد إطلاقه على التجربة النهائية لهذا التفجير النووي، التي كان يشرفان عليها، أجابه أوبنهايمر سأسميها بـ«الثالوث المقدس»، نعم إنجاز هذا السلاح المدمر القاتل هو الثالوث المقدس الأمريكي كما ترون.