«فضائيون» يعملون في الفنّ والثقافة!
تشرين- هدى قدور:
أولئك الجنود المجهولون يبدون كالفضائيين فعلاً، فأن تسمع عن ورشة عمل مسرحية أو عن عرض مسرحي جديد، فتلك ظاهرة تستحق الوقوف في زمن لم يعد يتوقف عند شيء من كثرة السرعة والتسارع التي جعلت رداءة الصنع تطغى على المشهد. من المتوقع أن يتحول المسرحيون والتشكيليون والشعراء والروائيون إلى عملة نادرة خلال المراحل القادمة من تطور التكنولوجيا، والسبب، كما يتهمهم مناصرو التكنولوجيا والفنون الجديدة، هو عدم قدرتهم على المواكبة وإصرارهم على تعقيد الأمور في أعمالهم الفنية مثل مناقشة أفكار لا طائل منها، في حين يفترض أن يهتموا بهوامش الأمور، ويجعلوا من التفاهة قضايا حماسية.
ماذا نقول عن النحاتين الذين يحفرون الصخر من أجل الوصول إلى عمل جميل يأخذ منهم عدة أشهر؟ ماذا ستقدم لهم «غوغل» من إعلانات؟ وكيف سيحصدون الجماهيرية التي تنافس المنشورات السخيفة التي تنتشر كالوباء بذريعة أنها الثقافة الجديدة؟.
يعتقد البعض أن الثقافة ستختلف جذرياً في المراحل القادمة، وقد ظهرت تلك الاختلافات فعلاً منذ اليوم. لم يعد العمق مطلوباً، وكثرة التفلسف أصبحت تشبه الثرثرة. فليعمل الجميع على تمجيد السطحية وليحتفوا بالزبد السابح فوق الموج من دون أن يفكروا في الغوص والبحث عن اللآلىء التي لم تعد مطلوبة في سوق إكسسوارات التقليد. ربما تكون المرحلة مجرد انحدار مؤقت، وربما تلتقط الفنون أنفاسها لتواجه هذا بأدوات ومعدات جديدة لا تفقدها الهوية، لكن المؤكد أن هناك تبدلات هائلة على صعيد العالم ليس فقط بالنسبة للفنون الأبوية المعروفة، بل بالنسبة لهوية الإنسان نفسه الذي راح يفضل الطارئ والعابر، وينفر من الدائم المشغول بأناة وطول تفكير.
يمكن لأصحاب مواقع «السوشيال ميديا» أن يتحكموا اليوم بالذائقة البشرية بكل سهولة، ويمكن أن يحجبوا وأن يبيحوا ما يرونه مناسباً من الثقافة، بعد أن امتلكوا منابر التعبير، واغتالوا القلم والورق الأبيض لمصلحة الصفحات الافتراضية التي يمكن أن تُلغى في أي لحظة ليعود الإنسان كأنه لم يكن أو كأنه لم يفعل شيئاً، حتى معنى الجماهيرية اختلف وما يتصل بذلك من مفاهيم الجدية والالتزام والفن المحترف والأصيل. البشرية اليوم تفضل ألا تعقد الأمور، وتميل إلى نصرة الهشاشة لأنها سهلة الإنجاز، بينما تبتعد عن الصلابة لأنها تحتاج إلى تدريب مستمر ومهارات عالية. وفي هذا كله، تظهر الفنون الأبوية كضحية في هذا العصر، فهل يمكن عدّ المهتمين بالمسرح والشعر والرسم والنحت أناساً فضائيين يعيشون في غير عصر؟.