حرب المعتقدات.. السلاح الأخطر في سلة أمريكا وحلفائها للسيطرة على الشعوب
تشرين – باسم المحمد:
منذ انطلاقة الفكر الاستعماري الإمبريالي، اعتمدت دول الغرب على أبشع الطرق والأساليب لشرذمة الشعوب، وتفتيت الدول ضماناً للسيطرة عليها واستعباد شعوبها، من خلال تبني مبادىء ظاهرية تطرب الشعوب لسماعها، وتجد فيها ضالتها في التغيير بمختلف تصنيفاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وحتى الثقافية.
جميعنا يعلم سياسة بريطانيا التي انتهجتها خلال مد سيطرتها على العالم، لتصبح المملكة التي لا تغيب عنها الشمس وهي” فرّق تسد”، فدقّت مسامير الفتن في أغلب دول العالم، وأشعلت الحروب بين أبناء البلدان الواحدة بمنطلقات دينية وعقائدية واجتماعية، والتي ما زالت آثارها المقيتة موجودة حتى يومنا هذا مفرقة بين أقرب الناس بمن فيهم الإخوة…
أمريكا طوّرت سياسات تفرقة الشعوب كما طوّرت أخطر أسلحتها
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، ورّثت دول الاستعمار القديم في إستراتيجيات التفرقة وطورتها كما طورت أخطر الأسلحة من خلال علماء نفس ومجتمع، مستفيدة من تطور التكنولوجيا ونظم الاتصالات كأدوات تجسس على أبسط تفاصيل حياة الشعوب والأسر، فنتجت لديها قاعدة بيانات دقيقة استطاعت توظيفها في نشر النزاعات وسفك المزيد من الدماء وسرقة ثروات الأمم.
حرب المئة عام
ومن الأمثلة الحية على ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، خلال القرنين الماضيين، مقولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عن “حرب المئة عام” بين مكونات الإسلام، التي لاقت رواجاً كبيراً في تفسير الصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، إذ إنّ العنوان الأبرز لها هو “الحروب الطائفية”، بحسب باحثين ومحللين، بشكل يمكّن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حليفتها (إسرائيل) من أن تفرض هيمنتها على منطقة مجزأة، تشتعل فيها الحروب المذهبية والطائفية والإثنية .
يعكس ذلك التفسير المزاج السائد في المنطقة، الذي ينظر إلى المعارك المشتعلة في مناطق مختلفة من جغرافيا العالم العربي بخلفياتها ودوافعها “الطائفية” باعتبارها تخطيطاً ماكراً، أو توظيفاً ذكياً لورقة الطائفية للوصول إلى ما تسعى إليه (إسرائيل) من إضعاف الدول العربية وتفتيتها عرقياً ودينياً ومذهبياً.
وما حصل خلال العقود القليلة الماضية، ينطبق تماماً على وصف هنري كيسنجر بالحروب الدينية الطائفية، على غرار حرب المئة عام بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا أواخر القرن السادس عشر، لكنها أكثر توسعاً منها، إذ أسهمت أمريكا في صناعة هذه الحروب حين احتلت العراق، وحلها للجيش العراقي، وأجادت اللعب على وتر المذهبية والطائفية مسهمة في تأجيجها، في ترجمة حقيقية لما سمّوه بـ”الفوضى الخلاقة”، لتنطلق بعدها إلى دول عربية أخرى لنشر هذه الفوضى حتى بين الديانة أو الطائفة الواحدة..
هنري كيسنجر أطلق مقولة “حرب المئة عام” بين مكونات الإسلام
وكان الأمر المهم بالنسبة لأمريكا خلال ممارساتها هذه؛ هو المحافظة على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة المتمثلة، بحفظ أمن (إسرائيل) والمحافظة على ثروة النفط، وهي لن تتردد في توظيف كل الأوراق والأدوات الممكنة من أجل تحقيق ذلك.
عنوان للشر
وتحولت السياسات الأمريكية إلى كارثة وحلت بالعالم، لم تعد بعيدة حتى عن عيون بعض النخب الأمريكية، التي أخذت توجه سهام نقدها اللاذع لهذه السياسة، التي جعلت من بلادهم عنواناً للشر في العالم، وهو ما جعل كثيراً من الدول تنفر من أمريكا، حيث فضح عالم الاقتصاد الأمريكي جيفري ساكس، الإدارة الأمريكية، وكشف عن مخططها الذي أعدته لأوكرانيا منذ سنة 1992، مؤكداً أنّ جنون العَظَمَة الذي يسيطر على العقلية الأمريكية، هو الذي جعل أمريكا تعتقد أنها تحكم العالم، قائلاً في مقطع فيديو: “سأكشف لكم سراً، لقد كذبت الولايات المتحدة لأنه منذ عام 1992 كانت هناك خطط لتوسيع الناتو، بما في ذلك، أوكرانيا”.
واتهم ساكس أمريكا بالغطرسة، قائلاً: “تعتقد الولايات المتحدة أنها تحكم العالم، وأنها القوة العظمى الوحيدة ويمكنها فعل ما تريد”.
وأضاف أنه بسبب هذه القيم والسلوك الأمريكي “تسمح لنفسها بفعل كل ما تريد، سواء كانت عمليات تخريبية، أو إسقاط الحكومات، أو شن الحروب تحت ذرائع كاذبة، أو قصف بلغراد، وليبيا … لا تنتظروا الحصول على الحقيقة. لأنكم لن تحصلوا عليها”.
حتى النخب الأمريكية فضحت الممارسات الهدّامة لأمريكا والغرب
وفي السياق ذاته، أي سياق توجيه النقد للسياسة الأمريكية من قبل النخب الأمريكية، خلص تقرير كتبه ستيفن سيملر، المؤسس المشارك لمعهد إصلاح السياسة الأمنية، على موقع “ذي اينترسيت” إلى أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن يتشدق بأحاديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما باعت الولايات المتحدة عام 2022 أسلحة لـ84 دولة تحكمها “أنظمة استبدادية”.
وأردف أنه، وفقاً للبيانات، اشترت 142 دولة أسلحة من الولايات المتحدة في 2022 بإجمالي 85 مليار دولار، من بينها 84 دولة تم تصنيفها على أنها أنظمة استبدادية، أي بنسبة 57٪ منها.
تشجيع الشذوذ
ولم يقتصر الاستهداف الاستعماري في فكر الولايات المتحدة الأمريكية على الدول والمجتمعات، بل اتجهت نحو الأسر والأفراد للسيطرة على العقول، من خلال شبكات إعلامية ضخمة تبث جميع أفكار الخراب من قتل وتدمير واغتصاب، عبر هوليوود ومؤسسات ضخمة لنشر الإباحية والأفكار المدمرة، وقدرت أرباح المواقع الإباحية بأكثر من 200 مليار دولار خلال العام الماضي، كما اتجهت نحو تشجيع المثلية الجنسية في جميع دول العالم لتجعله أمراً اعتيادياً في الحياة اليومية، عن طريق التركيز على شذوذ المشاهير في السياسة والرياضة والفن.
تشجيع المثلية للقضاء على مفهوم الأسرة
وفي كل مناسبة يجدد الرئيس الامريكي جو بايدن الترويج للمثلية بتغريدات وتهديدات لمعارضي قانون الشواذ في العالم، وكان بايدن قد وقّع في كانون الأول 2022 في حديقة البيت الأبيض بحضور آلاف المدعوّين قانوناً يحمي زواج المثليين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، معداً “أمريكا أمة للمثليين” وبعد إقرار قوانين تحمي المثليين والشواذ، زاد على ذلك بإصدار قانون في ولاية كاليفورنيا يعطي الأطفال حقَ تغيير جنسِهِم من دون الرجوع إلى الأهل، وإذا عارض الأهل تتم معاقبتهم, كما تضم إدارة بايدن مسؤولين مِثليين منهم وزير النقل بيت بوتيجيج.
ازدراء الأديان
وبما يذكر بما كانت تقوم به بريطانيا بهدف تقسيم الهند عندما كانت تذبح بقرة وترميها في المناطق المشتركة بين الهندوس والمسلمين، لتشعل حروباً تفتك بآلاف الأبرياء وتمتد لعقود، تشجع اليوم أمريكا المتطرفين حول العالم لمهاجمة المعتقدات والمقدسات كي لا تترك مجالاً لتحقيق أي نوع من التسامح والعودة إلى فطرة البشر في المحبة واحترام الآخرين.
إشعال فتيل الحروب من خلال ازدراء الأديان والمعتقدات
ومن الأمثلة تكرار الإساءة إلى مقدَّسات المسلمين في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر؛ نالت من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن المصحف الشريف وغير ذلك من المقدسات.. كما تنوعت مصادرُها وتعددت اتجاهاتها، وذلك انطلاقاً من منهجية واضحة للغرب في إساءته، ولم يكن ذلك خبط عشواء أو ارتجالاً كما يزعم البعض، أو فقط ردّةَ فعل على بعض المتطرفين الذين وجهتهم الاستخبارات الغربية لتنفيذ أعمال إرهابية تحت اسم الإسلام، بل نرى تناغماً من ورائه قوى تحركُه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية.
المواجهة
هناك الكثير من الدول التي تنبهت لمثل هذه السموم التي تحاول دول الغرب زرعها في تفكير البشرية، فأصدرت التشريعات الرادعة ووجهت قادة الفكر لمحاربتها، لكن الأمر ليس سهلاً أمام شراسة العدوان الغربي على عقول وإرث البشرية، لذلك فمواجهة هذه “الغزوات” يتطلب توحداً للبشرية لحماية وجودها والتأسيس لعقد اجتماعي بشري يضمن احترام حقوق الآخرين في الحياة وممارسة الشعائر التي تدعو للتسامح، ونبذ كل ما من شأنه زرع الفتن والقضاء على الأسرة والمجتمع، وعلى هذه الدول المشاركة بمؤتمرات كبرى بعيداً عن سطوة الغرب وأدواته، بشكل يحقق التوعية للبشر في الابتعاد عن الفكر الشاذ والفتن، واعتماد الحوار مبدأً لحل جميع القضايا والمشكلات..