مخاطر موت المثقف وموت السياسة

تشرين – إدريس هاني:
موت المثقّف وبروز أشباهه، في عملية تآمرية ممنهجة على المعنى، هو الخطر الفائق الذي يتهدد الجسد العربي المريض، حيث يترنح إقليمنا تحت وطأة تدمير عجب الذنب وهو آخر ما يتبقى من الإنسان بعد تحلله، وعليه المعول في النشأة والانبعاث، صراع قائم اليوم بين المثقف والسياسوي الذي يريد ملء المشهد بالغباء، والمثقف المقصود طبعاً ليس هو شاهد الزّور، بل هو الواعي بوجوده والحامل لمسؤولية العالم.
الخشية من انقراض المثقف الذي يزعج أشباهه كما يزعج طُرّش المشهد الذين يساهمون في استقالة العالم، مظهر يومي مشهود.
علامة المثقف أنّه ليس شاهد زور مهما أخطأ وجهته، حرّ مهموم بالحق والحقيقة وإن أخطأ الطريق إليهما، نقيّ الضمير مهما التبس عليه الأمر، مقاوم للزيف مهما طال واستطال، والأهم أنّه عُرضة للأحقاد والحسد المزمن وتطاول مناكير الزّمن المُرّ.
المثقف مدرك لتاريخ الأفكار وصيرورة المعنى، مدرك للتاريخ من موقع الوثيقة، محقق لا ينطّ نطّ قرد العنكبوت ولا يقفز قفز البهلوان، هو واثق الخطو يسلك ناحية الحقيقة، غير آبه بالشعبوية، ولا بهمروجة المُؤثّرين، لا يستغل تداني الوعي لدى المتلقي الشعبوي لكي يمارس عليه التدجيل والتجهيل اليومي.
أقصد بالسياسوي، الانتهازي الذي يجهل حكمة السياسة وفكرة التدبير، خلف راكبي الموج، والمستهترين بالمعنى، ومنتهكي شرف الحقيقة، وأصحاب الصفقات، والهاربين كالأجرب من صوت المثقف المنخرط في معادلة الصراع.
يلتقي السياسوي مع أشباه المثقفين ليبنوا عالماً من الزيف الممنهج، ولكي يقوِّضوا الميلاد التاريخي والطبيعي للوعي، التفاهة تلتهم السياسة والثقافة معاً، وتلك هي المسألة.
ليت الأحزاب السياسية كانت مجرد قبائل بعصبيتها المشهودة ونخوة رموزها التقليديين وشوكتها، بل باتت أوكاراً هي الأخرى للمافيا – مع تقديري لأصل المافيا بعصبيتها الأولى: أمران لا تقوى عليهما أحزاب السحت: شجاعة المافيا الإيطالية وأبويتها- وحين تظهر الانتهازية في الأحزاب السياسية، فهذا مؤشّر على موت السياسة كعلم واستمرارها كتفاهة.
مؤشرات السياسوي، الاستهتار بمهمة المثقف العضوي، وممارسة الحرب النفسية ضده وتهميشه بتقنيات الميراث الحقير للسياسوية، وبهذا تضيع فرصة التنوير الحقيقي، ويظهر كثأر من المثقف قطيع من ذوي الاحتياجات الثقافية الخاصة، يتقافزون فوق المنابر والرؤوس، معتمدين سلطة غامضة، فينسحب المثقف الحقيقي، ويصعد برجه العاجي وهو محق، حتى لا يمسّه الوباء، أو كأن في قبوه فرقاً من العدوى، تغيب القطط فترقص الفئران، يغيب المثقف فيرقص أبو جعران.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
1200 فيلم وسيناريو تقدّم للمشاركة في مهرجان كوثر الدولي السينمائي في إيران "الزراعة" تناقش الخطة الزراعية المقبلة: وضع رقم إحصائي ومراجعة بروتوكول إنتاج بذار القمح والترقيم الإلكتروني لقطيع الثروة الحيوانية برنامج ماجستير تأهيل وتخصص في التنمية المجتمعية بالتعاون بين الجامعة الافتراضية السورية ومؤسسة التميز التنموية إطلاق أول اجتماع لشرح آليات تنفيذ دليل التنمية الريفية المتكاملة في طرطوس وزارة الداخلية تنفي ما يتم تداوله حول حدوث حالات خطف لأشخاص في محلة الميدان بدمشق على خلفية مشكلة خدمة دفع الفواتير عبر الشركة السورية للمدفوعات.. "العقاري": السبب تقطع في خطوط الاتصال وتم الحل المشهد الأميركي- الانتخابي والسياسي- يتخذ مساراً تصاعدياً بعد محاولة اغتيال ترامب.. لماذا إقحام إيران؟.. بايدن يُمهد لانسحاب تكتيكي ويلمح إلى هاريس كـ«رئيسة رائعة» أول تجربة روسية للتحكم بالمسيرات عبر الأقمار الصناعية تربية دمشق استقبلت نحو 17 ألف اعتراض 42 ضابطة مائية في دمشق.. والمياه تسرح لغسيل السيارات وتبريد الشوارع!