ملف «تشرين».. تفرد رؤساء المجالس بالقرارات ورسم خريطة الأولويات أنتج جفاءً وقلة ثقة مع المجتمع الأهلي
تشرين- وليد الزعبي – عمار الصبح:
لا تزال المراوحة في المكان توّصف إلى حدٍّ كبير حال الخدمات على اختلافها في مختلف أرجاء محافظة درعا، فأعمال النهوض بها وخاصة لجهة النظافة والطرقات والصرف الصحي والإنارة ما زالت خجولة ولا ترقى إلى مستوى الطموح، ما يسبب معاناة لدى السكان، والمسوغات فقر البلديات بالكادر والآليات والاعتمادات.
وأمام هذا الواقع يتبادر السؤال: أليس من إجراءات يمكن اتخاذها من خلال تفعيل دور وأداء مجالس الوحدات الإدارية بالتشبيك مع المجتمع المحلي للتخلص من حالة الركود السائدة، وخاصةً أن قانون الإدارة المحلية خوّل الوحدات الإدارية بصلاحيات واسعة لإدارة شؤونها الذاتية؟.
توصيف الواقع
بهذا الإطار أوضح الدكتور المهندس أحمد السويدان عضو مجلس الشعب عن محافظة درعا، أن دور المجالس المحلية تراجع كثيراً خلال سنوات الحرب على سورية، حتى إن إمكاناته لم تعد بالمستوى المطلوب إن لجهة الكوادر والموارد والآليات، وهذا ما انعكس على تدني الخدمات على تنوعها من نظافة وطرقات وصرف الصحي وإنارة وغيرها.
فعاليات شعبية: التواصل الدائم مع المجتمع المحلي وتحفيزه على إنتاج المبادرات
وأشار إلى أنه يلاحظ في بعض المدن والبلدات تفرد رئيس مجلس الوحدة الإدارية بالقرارات وتحديد أولويات المشروعات وأماكن تنفيذها من دون مشاركة فاعلة من مجلس الوحدة الإدارية، وهذا ما خلف جفاءً مع المجتمع المحلي، بدليل محدودية دور هذا المجتمع على صعيد المساهمة بتمويل تنفيذ أي من المشروعات الخدمية في عدد من المدن والبلدات.
السويدان أوضح أن العكس كان يحدث في مدن وقرى وبلدات أخرى، من خلال التفاعل الإيجابي الكبير ما بين رئيس المجلس وأعضائه من جهة، وما بين المجلس والمجتمع الأهلي من جهة أخرى، والذي أنتج ما سمي (الفزعات) التي تم من خلالها جمع تبرعات بمئات الملايين في عدد من المدن والبلدات، وجرى توظيفها في تأهيل بعض المدارس أو حفر وتجهيز آبار مياه الشرب وتغذيتها من منظومات الطاقة الشمسية، وكذلك تغذية بعض المراكز الصحية والمراكز الهاتفية وإنارة الطرقات بالطاقة البديلة، وتقديم بعض المحولات الكهربائية وغيرها.
واقترح السويدان أن تقوم المحافظة بالدعوة إلى اجتماعات دورية تجمع المجالس المحلية مع وجهاء المجتمع الأهلي في مقرّ المحافظة، والعمل باتجاه تحفيز العمل التشاركي ومساهمة المجتمع الأهلي بتبرعات مالية، على مستوى جميع الوحدات الإدارية للنهوض بواقع الخدمات في نطاق عملها، والنظر بإمكانية توظيف بعض تلك التبرعات بإنشاء مشروعات تنموية تناسب طبيعة كل وحدة إدارية، وأن تتم إدارتها من لجان مشكلة من مجلس الوحدة المحلية والمجتمع المحلي، فهذه المشاريع إضافة إلى توفيرها العديد من فرص العمل، ستحقق إيرادات يمكن من خلالها تطوير تلك المشروعات والتوسعة بها أو إحداث غيرها إلى جانب تحسين الخدمات.
التشاركية هي الحل
ومن جهته تطرق المهندس عدنان أبو نقطة عضو مجلس محافظة درعا إلى أن عمل الوحدات الإدارية لا يستقيم إلّا بالتشاركية مع المجتمع المحلي وخاصةً ضمن الظروف الراهنة، ومن هذا المنطلق ينبغي العمل باتجاه تفعيل دور لجان الأحياء والمخاتير، وكذلك دور أعضاء المكتب التنفيذي في الوحدات الإدارية كل حسب اختصاصه، وكذلك أعضاء مجالسها المحلية للمساهمة في مساعدة موظفي الوحدات الإدارية في عملية تحصيل رسوم الخدمات من المحلات والمعامل والحرف والعيادات وكل الفعاليات الاقتصادية، وخاصة ضمن الظروف الحالية، مع أهمية توجيه الوحدات الإدارية لتنفيذ استثمارات كالمخابز ومحطات الوقود وأسواق الهال ووحدات خزن وتبريد الخضار والفواكه وغيرها، حيث تعود بريعيتها إلى تلك الوحدات ما ينعكس إيجاباً على تأمين الخدمات المناسبة للمواطنين والنهوض بها.
ولفت إلى أهمية تحفيز دور المجتمع المحلي في إقناع المواطنين بترخيص الأبنية ما يدعم موارد الوحدات الإدارية ويضمن السلامة الإنشائية لها، والتوعية لجهة الحفاظ على الأملاك العامة وعدم التعدي عليها لأنها وجدت بالأساس لخدمة المجتمع، مع ضرورة تنشيط العمل الشعبي لما له من دور في تنفيذ بعض المشاريع الخدمية كالطرق والصرف الصحي وغيرها.
التحفيز المطلوب
عضو المجلس البلدي السابق محمد الشحمة يرى أن قانون الإدارة المحلية هو قانون عصري يفتح المجال واسعاً أمام المجالس المحلية لتأخذ دورها كاملاً من حيث التخطيط والتنفيذ وتنمية الموارد المادية والبشرية للنهوض بالمجتمع من كل النواحي (اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً)، لكن كل ذلك يتطلب حسب قوله وجود الكفاءة في هذه المجالس، لافتاً إلى أن الكفاءة هنا لا تقتصر فقط على المعرفة بالقوانين وحسن تطبيقها، بل بقدرة أعضاء هذه المجالس على تشجيع المجتمع المحلي على المشاركة في الخطط والبرامج ليكون داعماً لها، وأيضاً في موضوع الرقابة على الأسواق والأفران ومحطات الوقود وهناك نماذج جرى تقديمها في كثير من قرى وبلدات المحافظة في هذا الجانب كانت أنموذجاً يحتذى، وخير مثال على ذلك مبادرة المجتمع المحلي في عدد من البلدات والمدن مؤخراً للمؤازرة في حسن سير امتحانات الثانوية العامة والتواجد اليومي أمام المراكز الامتحانية لمنع حدوث أي مشكلة تعكر صفو الامتحانات، وهذا كله يحسب لصالح المجالس المحلية، فالمجتمع الأهلي يشارك ويدعم عندما يكون مقتنعاً بجدوى هذه المشاركة، وهنا يأتي دور أعضاء المجالس في التشجيع والتحفيز ليأخذ المجتمع المحلي دوره.
ولفت إلى أن أكثر ما يسيء لعمل المجالس المحلية هو ابتعاد أعضائه عن المجتمع الأهلي وجلوسهم خلف المكاتب بعيداً عن العمل الميداني بمعنى عدم إشراك المجتمع المحيط في الخطط والبرامج المقررة، فضلاً عمّا يحدث أحياناً من انفراد رئيس الوحدة الإدارية بالقرار بعيداً عن الأعضاء الآخرين وهذا أيضاً يشكل نقطة ضعف للمجلس ينعكس على أدائه ويخلق حالة من عدم الانسجام بين الأعضاء.
تفعيل دور لجان الأحياء والمخاتير لتكون شريكاً في الرقابة وفي التنمية أيضاً
ولجهة المبادرات التي جرى إطلاقها في الفترات الماضية من قبل المجتمع الأهلي في الكثير من قرى ومدن المحافظة لدعم العمل الخدمي أو ما اطلق عليه “الفزعات”، أشار الشحمة إلى أن هذه المبادرات قدمت صورة إيجابية وراقية للعمل المجتمعي الذي أسهم ومن خلال ما تم جمعه من تبرعات في تحسين الواقع الخدمي، كإنارة الشوارع وحفر الآبار وتزويدها بالطاقة الشمسية البديلة عن الكهرباء، وتحسين واقع النظافة بإصلاح الآليات أو تأمين المحروقات لعملها، وفي غيرها من المشاريع التي تعود بالنفع العام على المجتمع، مؤكداً ضرورة أن تكون هذه المبادرات متواصلة كلما اقتضت الحاجة وتعميم هذه التجربة لتشمل بلدات وقرى أخرى.
واختتم عضو المجلس السابق حديثه بالتأكيد على فكرة يراها جوهرية وهي عدم تحميل المجتمع الأهلي للمجالس المحلية فوق طاقتها فهذه الأخيرة لا تمتلك عصا سحرية حسب وصفه، فضلاً عما قد تعانيه من ضعف في الموارد لا تستطيع معها تنفيذ كل المطلوب منها.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. رغم منحها صلاحيات واسعة..خدمات المجالس المحلية خجولة ومخجلة