لقاء الرئيس الأسد ولافرنتييف.. «التعنت التركي» ومستجدات ميدانية سياسية متوقعة: هل نشهد تجميداً لمسار التقارب؟

تشرين – مها سلطان:
الزيارة كانت متوقعة، ولازمة، لذلك عندما ظهر ألكسندر لافرنتييف في دمشق لم يكن أمراً مستغرباً، فالتطورات الأخيرة تستدعي مباحثات عن قرب.. وعليه فإنّ اللقاء الذي جمع الرئيس بشار الأسد مع ألكسندر لافرنتييف وهو المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سورية، والمباحثات التي تلته، يُعتقد أنها الأهم حتى الآن، سواء على مستوى الوساطة الروسية منذ انطلقت أواخر العام الماضي لتحقيق التقارب بين سورية وتركيا.. أو على مستوى العلاقات الروسية – التركية.. كذلك على مستوى المحتل الأميركي وتحركاته العسكرية على الأرض السورية في الشمال والشمال الشرقي والهدف من ورائها.
ورغم أن البيان المتعلق باللقاء والمباحثات اكتفى بالخطوط العريضة دون الدخول في التفاصيل، وهذا أمر معتاد عندما يتعلق الأمر بمسارات لم تكتمل بعد.. إلّا أنه يكفينا من البيان خطان تحدثا عن مسألتين مركزيتين بالنسبة لسورية وهما: عودة اللاجئين والمساعدات عبر الحدود، باعتبار أنهما أكثر ملفين يستغلهما المحتل الأميركي لتثقيل الضغوط على سورية «وعلى روسيا أيضاً» ومحاصرتها سياسياً واقتصادياً.
هنا كان لا بدّ من أن يجدد لافرنتييف دعم روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين لسورية بما يعزز استقرارها وأمن شعبها، إلى جانب التعاون لتأمين العودة اللائقة للاجئين، مشدداً على أن روسيا وسورية متمسكتان بالبعد الإنساني لملف اللاجئين السوريين وترفضان بشكل قاطع تسييس هذا الملف.
أما مسار التقارب السوري- التركي، وملف الانسحاب التركي من الأراضي السورية «التعنت التركي في الانسحاب كما جاء في البيان وهذا له دلالة مهمة» فلا بدّ أنه كان حاضراً على رأس المباحثات على اعتبار أن أغلب القضايا مرتبطة بها، بما فيها ملف اللاجئين والمساعدات، وحتى وجود الاحتلال الأميركي الذي يبني على المواقف التركية خصوصاً في المرحلة الحالية ما بعد قمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» التي انعقدت في فيلنيوس/ليتوانيا في 12 تموز الجاري.
المحتل الأميركي يسعى باتجاه رسم خريطة ميدانية جديدة ويُعول على ما استجد من المواقف التركية منذ ما قبل قمة «ناتو» بأسبوع تقريباً وما جرى خلالها، علماً أن تركيا لم تصرح بما يفيد أو يشي بأن لها مواقف مستجدة فيما يتعلق بالتواجد الأميركي الاحتلالي في سورية، ولكن مسار مواقفها المستجدة لا بدّ أن ينتهي في بعض نقاطه بما يُفيد المحتل الأميركي، لذلك كان لا بدّ من زيارة روسية إلى سورية، وكان لا بدّ من مباحثات عن قرب.
ولا تخفي روسيا امتعاضها من المواقف التركية الأخيرة وكذلك هواجسها من استدارة تركية جديدة معاكسة، فهذا لا بدّ أن ينعكس ميدانياً، وعلى مسار الوساطة الروسية ما بين سورية وتركيا.. بل إنه يكفي نصف استدارة تركية ليكون هناك تطورات خطيرة على الأرض وبما لا يناسب روسيا، بل ويزعجها أيضاً، وبما يُربك جهودها الكبيرة مع إيران لتحقيق تسويات حاسمة ميدانية وسياسية فيما يخص مسار إنهاء الحرب الإرهابية على سورية، والتخفيف من وطأة الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على الشعب السوري.
في 9 تموز الجاري كان للافرنتييف تصريح بالغ الأهمية لقناة «العربية» قال فيه «إن التواجد العسكري التركي على الأراضي السورية يخلق صعوبات محددة في طريق تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن العمل مستمر على هذا المسار، ولكن من دون الدخول في التفاصيل حتى عندما أشار إلى «لقاء قريب» على مستوى رئاسي بين سورية وتركيا.
بعد هذا التصريح بعدة أيام خرج الرئيس التركي رجب أردوغان ليقول إنّ الانسحاب التركي من سورية غير ممكن، بزعم أن تركيا تحارب الإرهاب في سورية ولن تخرج قبل القضاء عليه، ولم يقل أردوغان متى سيتم القضاء عليه، ولم يتطرق لمسألة أن الإرهاب الذي يعنيه هو الإرهاب الذي تمثله ميليشيا «قسد» وملحقاتها، وأن هذا الإرهاب مرتبط بالمحتل الأميركي.. وبالتالي فإن المحتل التركي باقٍ في سورية لأن المحتل الأميركي باقٍ ويدعم «قسد».. وهكذا ، يتمسك المحتل التركي بمعادلة ليس لها حل لأنها تصب كلياً في مصلحة أطماعه الاستعمارية في سورية.. وكأن بينه وبين الأميركي اتفاقاً غير معلن.
هذان التصريحان لكل من لافرنتييف وأردوغان يُصنفان في إطار تطورات ما استجد من المواقف التركية، وعليه فمن المتوقع أنه تكون لروسيا أيضاً مواقف مستجدة، ستظهر في الأيام القليلة المقبلة.
وحتى تظهر، كان لافتاً أن البيان حول محادثات الرئيس الأسد والمبعوث الخاص لافرنتييف لم يتطرق لاجتماعات رباعية محتملة خلال المرحلة القصيرة المقبلة، كذلك لم يتطرق لمسار التقارب، بل كان التركيز على مسألة الانسحاب التركي من الأراضي السورية إلى جانب ملفي اللاجئين والمساعدات.. وهذا بلغة المراقبين يعني أن الأيام المقبلة ستحمل تطورات لافتة، وقد تكون غير متوقعة.

ولا شك في أن كل ما يُقال عن التحشيد والتصعيد الأميركي العسكري في مناطق احتلاله في الشمال والشمال الشرقي كان حاضراً خلال المباحثات، صحيفة «فزغلياد» الروسية وتحت عنوان «الولايات المتحدة تجهز الخطة «ب» تحسباً للفشل في أوكرانيا»، وقالت الصحيفة في مقال لها اليوم: «الولايات المتحدة تلعب دائماً على طاولات متعددة، التوجه الرئيس الآن هو ضربة لروسيا على الجبهة الأوكرانية، إذا تفاقم الفشل في أوكرانيا ولم يؤتِ الهجوم المضاد المعلن عنه بصوت عالٍ ثماره، فإنّ الولايات المتحدة ستسحب الخطة «ب» من درج الطاولة، وهي تتعلق بسورية».
وتضيف الصحيفة الروسية: «ربما قررت واشنطن تفعيل القضية السورية بعد تمرد بريغوجين. وهم يراهنون على تصعيد الوضع في سورية وإشراك القوات المسلحة الروسية فيه، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج إدارة بايدن إلى قرارات جيوسياسية مظفرة قبل الانتخابات. سورية مشروع طويل الأمد للسلطات الأمريكية، شارك فيه باراك أوباما. لقد ورث الديموقراطيون هذا المشروع، وهم الآن يعودون إليه».
وتختم الصحيفة بالقول: العامل التركي مهم للغاية ويجب أن نأخذه في الاعتبار.
هذا هو جوهر المسألة، العامل التركي، في المخططات الأميركية لميدان جديد في سورية ضد روسيا تحديداً وهو ما تدركه كل من سورية وروسيا جيداً وتتجهزان له.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
المقداد: العدوان الإسرائيلي على غزة أسقط شعارات الغرب ومزاعمه وكشف نفاقه وافتقاره للقيم الإنسانية أعمال تنتيج مواد شهادة التعليم الأساسي لا تزال مستمرة والإعلان عن موعد إصدار النتائج قبل 48 ساعة 1200 فيلم وسيناريو تقدّم للمشاركة في مهرجان كوثر الدولي السينمائي في إيران "الزراعة" تناقش الخطة الزراعية المقبلة: وضع رقم إحصائي ومراجعة بروتوكول إنتاج بذار القمح والترقيم الإلكتروني لقطيع الثروة الحيوانية برنامج ماجستير تأهيل وتخصص في التنمية المجتمعية بالتعاون بين الجامعة الافتراضية السورية ومؤسسة التميز التنموية إطلاق أول اجتماع لشرح آليات تنفيذ دليل التنمية الريفية المتكاملة في طرطوس وزارة الداخلية تنفي ما يتم تداوله حول حدوث حالات خطف لأشخاص في محلة الميدان بدمشق على خلفية مشكلة خدمة دفع الفواتير عبر الشركة السورية للمدفوعات.. "العقاري": السبب تقطع في خطوط الاتصال وتم الحل المشهد الأميركي- الانتخابي والسياسي- يتخذ مساراً تصاعدياً بعد محاولة اغتيال ترامب.. لماذا إقحام إيران؟.. بايدن يُمهد لانسحاب تكتيكي ويلمح إلى هاريس كـ«رئيسة رائعة» أول تجربة روسية للتحكم بالمسيرات عبر الأقمار الصناعية