يحدثُ في بلاد «تنين الرعد».. والمواربةُ في البحث عن السعادة

تشرين- حنان علي: 

لطالما أتقنتُ طقوس البهجة، أو هكذا ظننت! حتى يوم لقائي مع صديقة بوتانية في إحدى الجامعات، يومها أصرت على أن السعادة ما هي إلا عادة يمكن صقلها وتطويرها بمرور الوقت، تماماً مثلها مثل أي عادة أخرى، تتطلب الممارسة والجهد الواعي، تبني بعض السلوكيات والتحولات الذهنية. وفي رحلة الفضول لاستكشاف ما ذكرت صديقتي القادمة من بلاد (تنين الرعد – بوتان) من مسببات للسعادة المزعومة بدءاً بالامتنان واليقظة والعلاقات الإيجابية والرعاية الذاتية وانتهاءً بمساعدة الآخرين، فقد وجدتُ أنّ السعادة فلسفة عميقة يمكن إدمانها كأكسيد النيتروز أو ما يسمى بالغاز الضاحك وكل ما يرافقه من مشاعر خفة وابتهاج. وحينما عدت للرفيقة بما أحمل من أفكار إيجابية، واجهتني من جديد بجداول أفكارها الفريدة عن تجربة بلادها عن مفهوم السعادة الجمعي في مملكة ثرية بتقاليدها الغريبة المتكئة على أكتاف جبال هيمالايا جنوب آسيا.

لعلّ الفكرة كامنة في أحد أجزائها في فلسفة السعادة الإجمالية، فلا تركيز على النمو الاقتصادي وحده، بل على الرفاهية العامة، وما يكتنفها من اهتمام واحتفاء بالطبيعة العذرية الخلابة.. فلا تعتمد السعادة هنا على الإنجازات الشخصية أو الممتلكات المادية وحدها ، بل ترتكز على رفاه الآخرين لبناء بيئة متناغمة وداعمة لنماء الجميع.

وبعد تجوال بين النظريات والأطر المناقشة لمفاهيم السعادة الجماعية أستهل الحديث عن نظرية (رأس المال الاجتماعي) التي تشير إلى أن السعادة الجماعية تتأثر بقوة وجودة العلاقات والشبكات داخل المجتمع الواحد، إذ يُنظر للثقة والتعاون والتماسك الاجتماعي على أنها مكونات أساسية لرأس المال الاجتماعي المستخدم للرفاه العام.. و بالعودة إلى نظرية السعادة القومية الإجمالية (GNH) التي تم تطويرها في بوتان، فتقاس السعادة والرفاهية على المستوى الوطني، مع الأخذ في الحسبان مؤشرات تتعلق بالتنمية المستدامة، والحفاظ على الثقافة، والحكم الرشيد والرفاهية النفسية، أو بمعنى آخر التنمية الشاملة للأفراد والمجتمع ككل.

لكن بمرور الوقت سرعان ما يتأقلم الأفراد مع التغيرات المرافقة لظروفهم، الإيجابية منها والسلبية، وهذا ما تقترحه نظرية التأقلم مع المُتع، إذ يعود الأشخاص في النهاية إلى مستوى السعادة الأساس؛ أي إن التحسينات المجتمعية قد تؤدي إلى زيادات مؤقتة في السعادة، لكن من غير تأثير دائم.. الثغرة الآنفة تخطتها نظرية (نهج القدرة) التي طورها الخبير الاقتصادي أمارتيا سين، لتركز على تنمية قدرات الأفراد على عيش حياة مُرضية، آخذة في الحسبان عوامل التعليم والرعاية الصحية والحرية والفرص الاجتماعية كحسم للرفاهية الجماعية.

السعادة الفردية

لعل السعادة أولاً نابعة من العمق الذاتي، بيد أن ثمة نُهُجاً ألقت الضوء على أنواعها أبرزها نظرية المتعة؛ أو السعي وراء اللذة وتجنب الألم، ذلك عبر تعظيم المشاعر الإيجابية وتقليل السلبية لتحقيق السعادة الشاملة، أما الرفاهية الذاتية فنظرية تتبنى التقييم الذاتي لرضا الفرد عن حياته وسعادته في ظلّ ظروف الحياة والقيم الشخصية والتصورات الفردية عن الرفاهية الشخصية.

وقد يرى البعض أن الاستقلالية تخلق سعادة لا مثيل لها، الفكرة أيدتها نظرية (تقرير المصير) إذ يمسي الأفراد أسعد مع تنامي الشعور بالكفاءة والقدرة على السيطرة على حياتهم الشخصية.. أما التكثيف لما سبق فأوردته نظرية عالم النفس الإيجابي مارتن سيليجمان عن السعادة الأصيلة الكامنة عبر السعي خلف عناصر ثلاثة: المتعة ، والمشاركة في أنشطة توفر إحساساً بالتدفق، إضافة إلى حياة ذات مغزى تتماشى مع قيم الفرد ونقاط قوته، لكن الاختلاف بمستويات الحاجات، سرعان ما أتى بنظرية التسلسل الهرمي للحاجات لماسلو، كي توضح بأن تحقيق السعادة والوفاء الشخصي يتم عبر تلبية حاجات المرء بدءاً من الحاجات الفسيولوجية الأساسية (الطعام والمأوى) إلى الحاجات ذات المستوى الأعلى الموافقة لتقدير الذات.

ما برحت النظريات تقدم أطراً لفهم مدى تعقيد رفاهية الفرد، لكن من المهم أن نلاحظ أن تجربة السعادة متمايزة من إنسان لآخر ، وبمقولة غاندي أختم رحلتي: «نحن نبحث عن السعادة بعمق ثم نجدها في أبسط الأشياء» .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية