من آخرها .. قالت أمّ العيال لم يبقَ لك إلا أشهر قليلة، وتحال إلى ( المعاش ) لذلك يجب أن تفكر بعمل ما ينفع أولاً في تحسين دخلنا المادي، وثانياً يشغل وقتك ويلهيك عن مناكفتنا، خاصة أن (قعدة الرجال بالبيت متل قفة الهم ..) والحقيقة أن (ثانياً) هي التي كان تأثيرها أكبر .
في كل الأحوال، ولأنني ما زلت في عز شبابي، فقد تناقشت كثيراً معها حول عدد من المشروعات التي قد أفلح في إدارتها وتشغيلها ، لكن استقر الرأي بعد زيارة عدد من المشاتل على أن أغرس أرضي بأشجار السفرجل ، فهي لا تحظى بالانتشار في الساحل، ما يعني أنه من الممكن أن احتكر إنتاج هذه الشجرة أسوة بالمحتكرين الذين لا يهابون القانون ولا القائمين على تنفيذه .
المهم اتفقت مع صاحب المشتل على تجهيز عدد يكفي من الشتول، وأن نستعد لموسم الزراعة ، وأنه سيقوم بمساعدتي حتى اكتسب الخبرة المناسبة في هذا النوع من الزراعة .
وحتى لا نضيع الوقت، بدأنا بالبحث عن أفضل استثمار لثمرة السفرجل – المعروف عنها أنها (ناشفة) مثل وجوه بعضهم من دون إشارة لأحد.
مربى السفرجل مثلاً، لذيذ ومطلوب وغني بالألياف والسكريات شرط أن يوضب ويغلف ويصبح جاهزاً للتصدير، فقد علمنا أنه مطلوب في دول كثيرة، خاصة التي لا ( يغص ) أهلها من الفقر ولا من البرد ، ويريدون إجراء ( بروفات ) على الغصّ وأساليبه ونتائجه .. – كبة سفرجلية (حلبية الطعم والمذاق) .. – أن نطرح كامل الإنتاج في السوق المحلية وبأسعار ابتزازية، لأن المستهلكين هنا يرغبون في أكل السفرجل حتى يغصوا – لأنهم ينعمون بالراحة ، وليتذكروا دائماً أن النعم لا تدوم .
في عز انشغالنا بالمشروع السفرجلي ذكّرتني أم العيال بأننا بعنا الأرض التي ورثتها عن والدي، وصرفنا ثمنها على الملذات الشخصية التي أفرزتها سنوات الحرب ، ولا مجال نهائياً لإنجاز هذا المشروع .. صفنت قليلاً وقلت (بالناقص من هيك مشروع) أصلا كان سيتعثر أسوة بالكثير من المشروعات الحكومية كجامعة طرطوس مثلاً .. وهل ينقص المستهلكين الغصّ ، فهم منذ بداية الحرب وحتى ما بعد الآن سيغصون كثيراً .. وبسبب ارتفاع أسعار السكر واللحوم، فلا مجال لإنتاج مربى السفرجل ولا الكبة السفرجلية .
حينها ضربت أم العيال كفاً بكف، وصاحت في وجهي
(يعني ستبقى تناكفنا .. وتبقى قفة همٍّ) .
تفتقت عبقريتي، وصرخت : سأقتني (بسطة) وأبيع عليها السفرجل فقط ، ولا يهمّني من يغصّ أو يموت من قلة الماء أو الغذاء أو قلة وضعف مردود البسطة..؟!