تجربة التدخل الإيجابي للدولة في السوق المحلية وفي مراحلها المختلفة، لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية، ترسم حالة تدخل تستهدف فيها المواطن ليس في وقت الأزمات فحسب، بل حالة مستمرة يبنى عليها تأمين مستلزمات العيش بطرق تضمن الفائدة للجميع, إلى جانب حالة الاستقرار الاجتماعي، وهذا النوع من التدخل شهدناه خلال أزمة ثمانينيات القرن الماضي، والذي لا يستطيع أحد نكرانه، في ظل وجود مؤسسات ضخمة تحمل المهمة بنفس الأهداف، وإن اختلفت أدوات التدخل، كما هو الحال في التدخل الإيجابي اليوم، في ظل حرب كونية وحصار اقتصادي استهدف كل مكونات الدولة، مقابل حالة تدخل يتيمة اسمها ” السورية للتجارة” ذات المكون لسبع مؤسسات كانت القوة الضاربة في الأسواق للسيطرة عليها، وقت الأزمات وفي حالة الرخاء، مقابل مكونات خاصة تفرد سيطرتها على الأسواق، مستغلة حاجات المواطنين وخاصة المعيشية منها، وبالتالي حجم التدخل يحمل في مضمونه استقراراً اجتماعياً، وتخفيف أعباء كبيرة على خزينة الدولة, والأهم محاربة ضعاف النفوس من التجار في استغلال حاجات الناس وقت الأزمات، كما يحدث الآن في أزمتنا الحالية مع غياب هذا الدور المهم للحماية الاجتماعية للتدخل الإيجابي، والذي سمح لأصحاب النفوس الضعيفة من التجار باستغلالها بصور مختلفة, معظمها تصب في خانة الاستغلال والاحتكار وتكوين الثروة على حساب الوطن والمواطن , وهذا ما حصل في أزمات سابقة, وما يحصل الآن صورة مشابهة لكنها أبشع باختلاف الأسباب والمسببات, وحتى أدوات الاستغلال..؟!
وبالعودة الى ميزان التدخل الإيجابي اليوم تجاه ما يحدث في أسواقنا المحلية من ارتفاعات سعرية, وأسعار صرف غير مستقرة, وحالات احتكار لمكونات معيشة المواطن من قبل تجار نموا على كتف الأزمة، وتسلقوا جدران الدولة، مستغلين حاجتها الماسة لتأمين المستلزمات وصعوبة تأمينها، في ظل حصار اقتصادي وعقوبات ظالمة, وكل هذه الأسباب وغيرها تؤكد عدم صوابية قرارات الدمج السابقة وبطلانها..!
وبالتالي ما يحدث يفرض الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول الأسباب الموجبة للتخلص من تلك المؤسسات, ومن المستفيد من إلغاء دورها, وتجميعها في مؤسسة واحدة أثبتت كل الظروف، والأزمة التي نمر بها اليوم أنها لا تستطيع مجاراة ما يحدث، وعدم القدرة على تأمين حاجات المواطنين بالشكل المطلوب، رغم ما لديها من إمكانات لأن يداً واحدة لا تستطيع التصفيق, ومؤسسة واحدة لا يمكن أن تقوم بدور سبع مؤسسات تسويقية شكلت أجنحة الدولة لعقود مضت ” الخضار- الخزن- باتا – اللحوم – التجزئة – الاستهلاكية – سندس” ..!
والسؤال الأهم لماذا لا نعيد تجربة الماضي، والاستفادة منها قي ظل ظروف نحن بأمس الحاجة فيها لهذه المؤسسات، ونعيدها بزي مختلف، يحمل طابعاً إدارياً ومالياً وتسويقياً يتمتع بالمرونة الكافية والحرية المسؤولة، والأهم حالة تخصص تنفرد بها كل مؤسسة تتدخل في السوق وفق انتشارها الجغرافي وقدرتها المادية, والعمل ضمن فريق واحد، وهوية واحدة تسمى آلية التدخل الحكومي السريع في حالات الأزمات والرخاء..
Issa.samy68@gmail.com