القمح بين الربح والإنسانية وباللغة الرقميّة
ينتقل العالم من أزمة إلى أخرى ، وتطلّ الآن معالم أزمة قمح عالمية وخاصة في مجال زيادة الفجوة التسويقية المتمثلة بالفارق بين (العرض الكلي والطلب الإجمالي) العالمي، ويعد القمح أساس السلة الغذائية العالمية من الدقيق والخبز إلى المعجنات وإن متوسط استهلاك الشخص سنويا بحدود /180/ كيلو غرام أي نصف كيلو غرام يومياً، وتؤكد المعلومات أن /55٪/ من سكان العالم يعتمدون على القمح وأنه يساهم بحوالي /20%/ من استهلاك السعرات الحرارية، وهو مصدر أساسي للمزارعين وخاصة أصحاب الحيازات الصغيرة، ونظرا لأهمية القمح العالمية منذ قديم الزمان وحتى منذ اكتشافه سنة /8000/ قبل الميلاد قيل الكثير فيه، فبعضهم اعتبره ممثلا للسلة الغذائية التي تقاد الحروب بسببها، وقد قال (شارل ديغول 1912-1970) لا تبحثوا عن أسباب الحروب في براميل البارود بل في إهراءات القمح، و(الإهراءات ) في اللغة العربية هي أماكن تخزين القمح، ويروى أن عمر بن عبد العزيز (681-720) والملقب (خامس الخلفاء الراشدين) قال (انثروا القمح على رؤوس الجبال ؛ لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين)، وكثير من دول العالم تعتبر القمح من المحاصيل الاستراتيجية ومنها (سورية) وتتسابق لتأمين احتياجاتها والبعض يقول: (من يستورد القمح يستورد القرار السياسي)، ونظرا لأهمية هذه السلعة بدأت دول العالم تتسابق لتأمين أمنها الغذائي من خلال التركيز على إنتاجه، والدول العشر الأوائل وفقا لمنظمة الأغذية العالمية الفاو لسنة /2023/ بكمية الإنتاج بملايين الأطنان والنسبة من الإنتاج العالمي لسنة /2022/ هي [ الصين /136/ بنسبة /17،4%/ – الهند /109/ بنسبة /13،5%/ – روسيا /86/ بنسبة /9،7%/ – أمريكا /47/ بنسبة /6،8%/ – فرنسا /37/ بنسبة /5،3%/ – استراليا /32/ بنسبة /3،6%/- كندا /30/ بنسبة /3،4%/ – باكستان /27/ بنسبة /3%/ – أوكرانيا /26/ بنسبة /2،9%/ – ألمانيا /24/ بنسبة /2،7%/] ، أي إن هذه الدول العشر تنتج /554/ مليون طن وتشكل نسبة /68،3%/ من الإنتاج العالمي البالغ بحدود /782/ مليون طن، إذاً وبالاعتماد على أرقام منظمة الأغذية العالمية يتبين لنا أن روسيا ليست سبب لأزمة القمح العامية لأن أوكرانيا تنتج فقط /26/ مليون طن بنسبة حوالي /0،34%/ فقط، ومن هذا يتبين لنا بطلان الادعاءات الأمريكية والأوربية بأن روسيا وراء أزمة القمح العالمية كما ادعى الرئيسان الأمريكي والفرنسي ورئيس الاتحاد الأوروبي ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وغيرهم، بأن موسكو تستخدم الغذاء كسلاح بيدها؟.
ومن جهة ثانية وبوقفة اقتصادية تحليلية محايدة وبالعودة إلى اتفاقية تصدير الحبوب بين (روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة) بتاريخ 22/7/2022 وأطلق عليها (مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب) أي بعد الحرب (الروسية – الناتوية الأوكرانية) على الأرض الأوكرانية بتاريخ 24/2/2022 بحوالي /5/ أشهر تقريبا، تم السماح لأوكرانيا بتصدير قمحها عبر /3/ موانئ تقع على البحر الأسود وأهمها ميناء أوديسا على البحر الأسود إلى تركيا، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس هذا الاتفاق بأنه “منارة أمل” لإنقاذ جياع العالم الذين يزدادون من عام لآخر، وتضمن الاتفاق: تخصيص مركز تنسيق مشترك لتفتيش السفن للتأكد من أنها لا تحمل معدات عسكرية وأسلحة أو على متنها أشخاص ممنوعون من السفر ونفذ الاتفاق واستطاعت أوكرانيا أن تصدر أكثر من /33/ مليون طن وعلى متن أكثر من /1000/ سفينة علما أنه يمكن لها أن تصدر حبوبها عبر بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، وعن طريق نهر (الدانوب) أيضا..
استمرار حكومة فلودمير زيلينسكي بقصف جزيرة القرم والسفن الروسية بطائرات “الدرونز” المسيرة الغربية كما حصل بتاريخ 29/10/2022 في ميناء سيفاستوبل، ورفض أوكرانيا تصدير سماد الأمونيا من خلال إغلاقها لممر التصدير عبر أراضيها، وخرق الدول الغربية للاتفاقيات الموقعة مع الأمين العام للأمم المتحدة والمتضمنة إلغاء العقوبات عن تصدير المنتجات الغذائية الروسية والسماح باستيراد روسيا للآلات الزراعية وإعادة البنك الزراعي الروسي (Rosselkhozbank) إلى نظام (الدفع سويفت SWIFT) ورفع القيود المفروضة على التأمين والوصول إلى الموانئ للسفن والبضائع الروسية…الخ]، ونتيجة ذلك أعلنت روسيا تعليق موافقتها على تمديد الاتفاق من تاريخ 17/7/2023، ورغم تعليق العضوية تعهدت روسيا بأنها ستقدم /500/ ألف طن مجانا للدول الفقيرة ووعد الرئيس فلاديمير بوتين خلال لقائه وفد القارة الإفريقية بأنه سيؤمن لهم الغذاء والسماد، وقد أكدت المعلومات الغربية أن لا علاقة للدعوات الأوروبية الأمريكية التي تسرق القمح السوري بالادعاءات الإنسانية بدليل أن توزيع الصادرات الأوكرانية من الحبوب كانت كما يلي [ 40% من الحبوب المشحونة إلى دول الاتحاد الأوروبي وهم ممن يحاصرون روسيا و30% نحو الدول الآسيوية و 13% إلى تركيا و/12%/ إلى إفريقيا و/5%/ إلى دول الشرق الأوسط بل (شرق المتوسط) ،فهل أمريكا والدول الأوربية حريصة على جياع العالم ؟ وهل روسيا كما قال (بلينكن) تستخدم الغذاء كسلاح بيدها؟ّ!، ورغم كل الضغوطات الغربية على روسيا والتي فشلت في تحقيق أهدافها إلا أن روسيا أكدت أنها ستعود للاتفاق إذا تم تطبيقه بشكل دقيق واتهمت الإدارات الغربية بأنها أنانية تسخر كل شيء لمصلحتها بغض النظر عن الجوانب الإنسانية وإذا لم تستح فقل ما تشاء، فهل سنشهد انفراجات جديدة في مسار تصدير القمح وتستجيب دول العالم لدعوة شاعرنا الكبير محمود درويش 1941-2008 عندما قال: إنّا نحبُّ الوردَ، لكنّا نحبُّ القمحَ أكثرْ، ونحب عطر الورد، لكن السنابل منه أطهرْ، فاحموا سنابلكم من الإعصار، بالصدر المسَمَّرْ، هاتوا السياج من الصدور، من الصدور؛ فكيف يكسرْ؟؟، اقبض على عنق السنابل، مثلما عانقتَ خنجرْ، الأرض والفلاح، والإصرار، قل لي: كيف تقهرْ.. هذي الأقانيم الثلاثة كيف تقهرْ..
هذا ما نأمله ونتوقعه بعد الاستجابة للطلبات الروسية المحقّة ونتمنى ذلك وعودة ثرواتنا السورية إلينا بأي طريقة كانت وطرد القوى الاحتلالية من جزيرتنا الغناء وجولاننا الحبيب..