تحديات الحرب والحياة والتقدم

تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:

التقدم مفهوم ظل يحمل معه إمكانية الاجتهاد طالما كان مفهوماً قابلاً للنقاش وقابلاً لصنوف التعريف، ولكنه بتعبير بسيط مفهوم يحمل سرّه الخاص المتمثل في كونه يعني قبل أي من التعريفات أنه معرفة متطورة وجيدة، وهو وفق هذا المعيار لابدّ أن يحقق الكثير، عندما يصبح واسطة، وهدفاً، فيزيح السائب القديم، ويثبت صورة الحياة الجديدة.

إن تقدّمنا مستهدف منذ البدء، لذلك عندما حققنا الإنجازات الكبيرة في سورية الحديثة حاولت الإمبريالية الأميركية ومعها كل قوى الشر استهداف إنجازنا الحضاري هذا بكل الوسائل المتاحة خلال المسيرة الظافرة التي حققها الشعب العربي السوري وقواه الوطنية، وهكذا فإن سر تقدّمنا يكمن في أننا اجتزنا إشكالات (الأمية الأبجدية)، وعرضنا شريحة مهمة من مجتمعنا وأبناء شعبنا إلى قوة الاستهداف الثوري الذي حرّك قوى عقيمة معطلة عند شريحة من الأميين ما بين 15 سنة و 60 سنة من العمر في المدينة وأعماق الريف.

إن اختراق حاجز الأبجدية عبر حملة وطنية شاملة، خطط لها وصرف لها الكثير وأعدّها الآلاف من المختصين، قد جعل الطريق ممهداً لإيصال (الوعي) أو سرّ التقدم المتمثل إلى المعرفة الجديدة عبر شتى القنوات التي أسستها الدولة السورية، ولقد كان التخاطب الاجتماعي والثقافي، الفكري والسياسي، يتخذ درجات متفاوتة بحكم اختلاف إدراك الشرائح الاجتماعية، لكنه تخاطب موصل حقق الكثير من الوعي، وفتح العقول على الحقيقة السورية الكامنة في تاريخ حضاري قديم ممتد، وحاضر جديد يمسكه السوريون نحو أهداف الغد الواعد بالمعرفة والسعادة والعدالة والحياة.

ولقد تحقق مستوى من التكافؤ الاجتماعي لم يشهده تاريخ سورية الحبيبة من قبل، فقد رافق الحملة تطور في النتاج الثقافي وفي نشر الكتب وتحديث في وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية، ومستوى في الدخل القومي، وضع ترتيب دخل الفرد في الدرجات الأولى الذي يؤثر في مستوى المعيشة، وبالتالي مستوى الإدراك، لأن الإدراك يعني الشعور قبل كل شيء بأهمية أدوات المحيط، أي تفصيلات الحياة وأشياؤها، مفهوماتها وأهدافها، والإدراك يتأتى من تدرج في الرسوخ الإنساني الذي يثبت معنى الشعور بالانتماء والأمان، والمواطنة، ولقد فعلت الإنجازات التي تحققت في ميدان المعرفة عامة، فعلاً مؤثراً في ترسيخ واجبات المواطنة وحقوقها، وإذا كان الإدراك بهذا المفهوم قد تحقق بفعل انتشار وتعدد سبل التعليم والمعرفة والثقافة، فإن دخول تقنيات جديدة إلى حياة الأفراد والمجتمع بعامة قد أدى دوراً في المعرفة الحضارية، ولقد أدخلت التقنيات -وخاصة تلك التي نقلت الآراء في ميادين المعرفة وميادين الحياة الشخصية- عنصراً جديداً في الوعي، هو إدراك منجزات حضارة القرن، وأهميتها وكل نتاج ذلك، أي توجه المجتمع بإدارة الدولة ورؤيتها نحو التحصيل والذكاء وإثراء المعرفة، بل إن ذلك قد تحول إلى دأب يومي للأفراد والمجموعات، ويتمثل ذلك في تراكم نوعي للكفاءة الأكاديمية، والفنية، والكوادر الوسطى وكوادر التعليم، ودخول المرأة ميدان الحياة على أنها العنصر الفاعل المتخصص القادر على إدامة فعل التقدم، وترسيخ مفهوم إثراء الوعي، وبلورة الإدراك ومعنى المنجزات وقيمتها في إثراء الحياة ورفدها وتطورها، لأن تراكم الخبرة الوطنية قد حقق على صعيد الثقافة مثلاً، إنجازات مهمة انعكست على مستوى الإبداع في شتى فروع الثقافة، فقد كان النشر قد حقق للتأليف في ميادين المعرفة فرص الانتشار، ويقف التأليف التربوي في المؤسسات التربوية والأكاديمية في مقدمة ذلك، كما أنجز التشكيليون مهمتهم بذكاء كبير، ووقف النقاد يقولون بمنهجية بادية، آراءهم في الأعمال التي يتداولها الناس، فيما كان يرافق ذلك مظلة شاملة في الخدمات والإنشاء والنقل والاتصال والإدارة، وميادين الحياة عامة، ولقد شكّل ذلك تهديداً كبيراً جداً للسيناريوهات المرسومة، أي إن الذي تحقق من إنجازات في الوعي قد ارتفعت في الدولة السورية إلى مستوى تجاوز فيه خطوطاً حمراء، ما كان له أن يتحقق له ذلك لولا الإدارة الوطنية والوعي والقيادة الأصيلة ثابتة القرار التي تتمتع برؤية واضحة لإستراتيجيات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقبل كل شيء، التوازن الدولي.

إن الاستهداف الأميركي- التركي الإسلاموي من خلال عدوانهم اللئيم على سورية كان إشارة أولى لسلسلة من عمليات الاكتساح الذي يقصد إيقاف الوعي وتدمير المنجز الحضاري والعودة بشعوب المنطقة إلى عصر الظلمات والتخلف، لذلك فإن تحديات الحرب بالنسبة لسورية كانت دائماً تحديات من أجل البناء ومن أجل الحياة والسلام العادل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
عمل جراحي نوعي في مشفى الباسل بطرطوس.. نجاح استئصال كتلة ورمية من الدماغ لفتاة بعمر ١٤ عاماً «صحة الحسكة» تتسلم شحنة جديدة من الأدوية "الزراعة" تعتمد أربعة أصناف جديدة من التفاح وتدعو للتشارك مع القطاع الخاص لإنتاج البذور رئاسة مجلس الوزراء توافق على مجموعة من توصيات اللجنة الاقتصادية المرتبطة بتقديم وتحسين واقع الخدمات في عدد من القطاعات بقيمة تجاوزت تريليون ليرة.. 28 مليون مطالبة مالية عبر منظومة الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية أميركا تعود إلى مسار «اليوم التالي» بمقايضة ابتزازية.. و«كنيست» الكيان يصوّت ضد الدولة الفلسطينية.. المنطقة مازالت نهباً لمستويات عالية المخاطر مع استمرار التصعيد شهادتا تقدير حصاد المركز الوطني للمتميزين في المسابقة العالمية للنمذجة الرياضية للفرق البطل عمر الشحادة يتوج بذهبية غرب آسيا للجودو في عمّان... وطموحه الذهب في آسيا مسؤول دولي: أكثر من ألف اعتداء إسرائيلي على المنشآت الصحية في قطاع غزة برسم وزارة التربية.. إلى متى ينتظر مدرسو خارج الملاك ليقبضوا ثمن ساعات تدريسهم.. وشهر ونصف الشهر فقط تفصلنا عن بدء عام دراسي جديد؟