فساد من أجل الفساد .!

على ما يبدو ضعف الحال الاقتصادي وتراجع معيشة المواطن، وتدني الرواتب والأجور، أوجد أرضية خصبة لانتشار سريع للفساد وأهله في معظم مفاصل العمل اليومية, وخاصة التي لها تماس مباشر مع مصالحه ومشكلاته اليومية..!
وبالتالي هنا لم تعد سرقة المال العام المؤشر الوحيد لثقافة الفساد، وثقافته لا تقتصر على جانب محدد، بل ترتبط بصور مختلفة قوامها وأساسها ما يتعلق بحاجات المواطن اليومية، وهنا يكاد لا يخلو أي تفصيل عام أو خاص إلّا وتنتعش فيه جزئيات معينة من الفساد ..!
لكن هذه الصور مختلفة من حيث الطبيعة والأداء, فهناك ما يتعلق بروتين العمل وزيادة الورقيات والتعقيدات, وآخر يتعلق بتنفيذ قواعد القانون, لكن أخطر هذه الصور “سرقة المال العام “, وهذه ليست قريبة في سنواتها، أو وليدة الأزمة بل تعود لعقود طويلة, والذي شجعها على النمو ضعف المحاسبة على عدم تطبيق القانون، بغض النظر عن التبريرات وحتى ثقافة المجتمع التي تبرر لأهل الفساد فسادهم ..!
للفساد أوجه مختلفة ولاسيما ما يتعلق بالمال العام، والروتين والإجراءات وهنا لابدّ من التفريق بين فساد سرقة المال العام , وبين الإجراءات, من دون التقليل من أهمية الأخير، لأن الاثنين يؤديان الدور نفسه, على اعتبار تعطيل العمل والتأخير به هو في حد ذاته قيمة مالية تهدر محسوبة من الصالح العام والتعدي عليها فساد أكبر ..!؟
لكن بتدقيق بسيط في هذه الصور التي يختبئ خلفها أهل الفساد، فإننا نجد أخطرها، يكمن في المفاصل التي تحقق إيرادات للخزينة والداعمة لها, أهمها التكليف الضريبي الذي تتهرب منه أغلبية المنشآت الخاصة, والطرق الملتوية التي يستخدمها المكلفون للهروب, “مع الأسف الشديد” بمعرفة ومساعدة بعض القائمين على تحصيلها، مستغلين بذلك ثغرات القوانين وضعفها في الملاحقة, وتسخيرها للقليل من الصالح الخاص ..!
وبالتالي ما يحدث مخالف لكل القوانين لجهة حالات الفساد، وخاصة المتعلقة بالمال العام، وإجراءات الحفاظ عليه، ولو طبقت نزاهة التحصيل الضريبي ليس على مستوى الإدارات المالية فحسب، بل الجانب الجمركي الذي يعدّ الميدان الأوسع للتهرب الضريبي بدليل أسواقنا المحلية وما تحتويه من سلع مهربة وغيرها، لاستغنت عن التفكير في إيرادات داعمة لتحسين مستوى معيشة المواطن، واتخاذ زيادات دورية على سلسلة الرواتب والأجور بصورة مستمرة تتماشى مع المتغيرات المادية، إلى جانب التفكير في أساليب جديدة تضمن تكليفاً ضريبياً صحيحاً، لا التفكير في ابتداع طرق مختلفة يتفنون بها في سرقة المال العام مستغلين الظروف وحاجات الناس..!
وبحساب بسيط نجد أن حجم التهرب الضريبي والاعتداءات على المال العام تشكل قيمة مالية تساوي عشرات أضعاف الرواتب والأجور، فلو تم تحصيلها ومعالجتها لما وجدت مستويات معيشية متدنية..!
فهل يأتي هذا اليوم الذي نشهد فيه هذه المعالجة محققة معيشة أفضل للمواطن أم يبقى الفساد من أجل الفساد ..؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار