نتاج نقديّ عن جذور «القصيدة القصيرة جدّاً»وملامحها وتداخلاتها مع«الهايكو» والنثر
تشرين- لمى بدران:
من منطلق الاهتمام بالنقد العربي الحديث وبين الملامح القديمة والحديثة للقصيدة القصيرة جداً، وفي وقفة عند أحدث إنجاز نقدي للأديب يوسف حطيني استضاف مقر اتحاد الكتّاب العرب عملاً حداثوياً خلال ندوة تتضمن توقيع وإهداء كتابه «القصيدة القصيرة جداً» الذي يُقدّم رؤى أدبية ونقدية جديدة في الشعر، وهذا بعد أن أصدر كتباً عدة تتناول دراسات نقدية وتحليلية في الرواية والقصة والقصيدة.
إن أول عبارة مكتوبة في هذا الإنجاز هي «من شغف الشاعر إلى وعي الناقد » وهذا يوضّح غَلبَة النظرة الأكاديمية من قبل د.حطيني على مضامين الكتاب، كما يشدّد في مقدّمته على إخلاصه للهوية التراثية والحديثة في آن التي تستند إليها القصيدة القصيرة جدّاً، ولا يراها، كما بعض المعترضين، بأنها نتاج تغريب.
القراءات التي تناولتها الندوة تضيء على أبرز ما جاء في فصول الإصدار السبعة فحطّيني حسب رأي الناقد والإعلامي علي الراعي بمصطلحه اللافت والجديد «القصيدة القصيرة جدّاً» يقصره على القصيدة العروضية من دون غيرها، فهو يقول بالحرف: «لابدّ من التأكيد أولاً أنّ الإيقاع الشعري العروضي، أهم شروط الانتماء إلى القصيدة القصيرة جداً، وهو الشرط الذي يُقابل الحكائية في القصة القصيرة جداً، إنه شرطٌ أساس لازم لكنه غير كافٍ لانتمائها إلى هذا الفنّ، بمعنى أن توافره لا يضمن نجاح النص، وعدم توافره في النص يُخرجه من دائرة الشعر»، وأكّد الراعي على ضرورة عدم اقتصار المصطلح (القصيدة القصيرة جداً)، على الشكل العروضي من الشعر، لأن ثمة قصائد من أشكال الشعر المختلفة غير العروضية وشعر المقطعات تدخل في إطار المصطلح الذي يدخل هو بدوره ضمن مصطلح أوسع هو مصطلح (الأدب الوجيز)…
بينما بيّن الناقد الدكتور أحمد علي محمد أن محاولات الناقد صاحب الكتاب لم تكن إلا تغيير وجهة نظر ما بعد الحداثة العربية من الغرب إلى الشرق وتغيير بوصلة الشعر العربي، لافتاً إلى أن الحداثة الشعرية العربية نجمت عن مخاض عسير تمثل في النزوع إلى التحديث في زمن لم يكن المجتمع العربي قد دخل مرحلة الحداثة التي تقضي بالتخلي عن القيم الموروثة لمواكبة الحضارات الغربية بما ترمي إليه.
أمّا الناقد الدكتور نزار بريك هنيدي فأشار إلى أن عز الدين اسماعيل أول من تحدث عن القصيدة القصيرة في عصرنا الحديث، و عاد إلى تأصيل المصطلح بداية من التراث، مبيناً أن ابن رشد فرق بين القصيدة القصيرة والقصيدة الطويلة ووضع مواصفات خاصة لكل منها تتعلق بالموضوع وبموهبة الشاعر والحالات الشعرية.
ولقد حاول الناقد والإعلامي ملهم الصالح الذي كانت الندوة من إعداده وحواره استغلال الزيارة القصيرة للحطيني إلى دمشق بعد أن غاب عنها نحو ١٢ عاماً، ويرى الصالح خلال دراسته لتجربة حطيني أنها زاخرة، وأنه مشروع يراهن أو يسعى إلى أن يكون أحد المرجعيات النقدية في الجغرافيا العربية، ويناصر الأشكال الأدبية الإشكالية التي تحاول أن تكسر القالب النمطي في الأدب العربي، ومنها القصيدة القصيرة جداً.
ومن الجدير ذكره أن هذا العام يصادف مرور ربع قرن على نيل الدكتور يوسف حطيني درجة الدكتوراه في النقد الحديث من جامعة دمشق وتالياً، تأتي هذه الندوة التي تم فيها توقيع الكتاب وإهداؤه للحضور بمنزلة احتفاء بهذا المشروع النقدي الذي يعمل عليه.