بقرة «ستي» كانت حمراء، لا بنيّة ولا صهباء، كريمة وصاحبة مزاج، وحليبها دسم وقرونها ثخينة، تنطح كلّ مَن يقترب منها، ولا تسمح إلا لجدتي بملاطفتها وحلبها، وأذكر تماماً – وأنا صغيرة- يوم مرضت جدتي، وصارت طريحة الفراش، وقامت أمي يومها بلبس ثيابها وغطاء رأسها وحلبت البقرة.
وبعد استفهامي واستهجاني (كيف ضحكتوا على البقرة؟) قالت لي أمي:
رائحة «ستك» في الثياب، وحاولت ألا أناظرها عيناً بعين، كي لا تنطحني، وترمي سطل الحليب على التراب.
لم أستغرب يومها كمّ المحبة واللهفة اللتين تكنّهما بقرتنا لجدتي، وأنا أصادق كل حيوانات «حاكورتنا» من عصافير ودجاج وقطط ،حتى الضفادع كنت أحفر لها الجور وأملؤها بالماء.
المهم، وبعد أربعين عاماًعلى ذاكرتي ببيت جدتي، لم أتفاجأ بالاحتفالية الأممية بالأبقار، لكنني استهجنت تأخرهم في الإعلان عنه، و«ستي» العجوز كانت السباقة بالاعتناء ببقرتها والاهتمام بها حدّ الدلال.
معلومة الاحتفالية حرّضتني على ارتكاب عملية البحث في «غوغل» عن الذين تحتفي بهم أنسنة سياساتٍ عالميّة، وكيفية تسويق الدعم والبذخ المادي على حسب الرضا والمزاج السياسيّ العام على بقرات الشرق والغرب أم بقرات الشمال؟؟
ولا أعلم كيف وصلت لفيديوهات تحكي عن الأبراج وأهوائها ومعالم شخصياتها، وكيف أنه يوجد تطبيق مختلف عما نتابعه من دلو وميزان وسرطان..وهناك من يستخدم في تصنيفاته الفلكية أسماء حيوانات( خنزير وفأر وحصان…).
واختلطت الأفكار في رأسي، ونسفت عيد الأبقار والشجرة وعيد الحبّ والقُبل وعيد اللغة والتراث.
واهتممت بأعياد ميلاد معارفي والأصدقاء، وإذا ما كانوا من مواليد الهرّ أو الحصان؟؟
وتوقفت عند مَن كانت أعمارهم قد تجاوزت الستين، وصرت أخمن برجهم تخميناً، فعلى أيامهم لم تكن عملية التسجيل في النفوس دقيقة بسبب أزمة مواصلات وصعوبة ترحال.
ولم أحزن أو أتعاطف معهم لكونهم بلا برج محدّد في روزنامة الفلك والأعياد، فجيل التوثيق والمواصلات يمتلك خريطة معلومات باليوم والساعة، وأكبر اهتمام يلقونه قالب «كاتو» بشمعة، ويادار لا دخلك كهربا ولا ماء ولا طاولة محجوزة في مطعم يغني فيه ملحم زين ولا حتى «فتكات».
وصال سلوم
71 المشاركات