ملف «تشرين».. العاصمة الاقتصادية تعيش أسوأ حالاتها… والمجالس المحليّة تهرب إلى مقولة «وفق الممكن»..!
تشرين- رحاب الإبراهيم:
لا يبدو أداء مجالس المحافظة والمدينة في مدينة حلب مرضياً لأهلها، وخاصة بعد كارثة الزلزال المدمر، الذي زاد من وتيرة التحديات والصعوبات إلى درجة كبيرة، وخاصة في ظل واقع اقتصادي وخدمي متردٍ، جعل العاصمة الاقتصادية في أسوأ حالاتها، رغم محاولة سكانها وخاصة أهل الصناعة والمهن الحرفية وحتى التجارة، تشغيل منشآتهم والإنتاج بغية العودة بمدينتهم إلى مكانتها الاقتصادية.
لكن هذا الهدف يحول دون تحقيقه جملة من العراقيل، وسوء الخدمات المقدمة، واستمرار فرض الضرائب والرسوم المالية والخدمية من دون إعارة أهمية لمكانة مدينة حلب، التي تشكل رئة الاقتصاد المحلي، الذي لن يكون بخير مادامت حلب ليست بخير.
آثار خطيرة
تعاني مدينة حلب كغيرها من المحافظات من سوء الواقع الكهربائي، عصب الحياة والصناعة والتجارة، باستثناء الأيام القليلة الماضية بعد إصلاح العنفة الخامسة في المحطة الحرارية، وهذا الأمر اضطر الأهالي والفعاليات الاقتصادية إلى الاعتماد على مولدات الأمبير بتكلفته الباهظة، وتأثيره السلبي في البيئة، حيث يتواجد في المدينة قرابة 1300 مولدة أمبير مرخصة تنفث دخانها الملوث في كل مكان، تاركة آثاراً صحية خطيرة تتماهى مع أكوام القمامة، التي لحظ انتشارها خلال السنوات القليلة الماضية خلافاً للسابق، من دون مقدرة من مجلس مدينة حلب على معالجة هذا الواقع السيئ، بحجة نقص الإمكانات المادية والآليات والكوادر البشرية، وسط مطالبات بقيام المواطن بتحمله المسؤولية بعدم رمي الأوساخ أمام البيوت، ووضعها في الحاويات القليلة، التي لا يبدو وضعها أفضل حالاً، فغالباً ما تُترك وقتاً طويلاً من دون تفريغ محتوياتها مع انتشار القمامة حولها في منظر يشوه منظر المدينة العام، ويتسبب في انتشار أمراض كثيرة، ولا سيما مع قلّة رش المبيدات التي يعد استخدامها في فصل الصيف ضرورة ملحة، حيث تقوم مديرية الشؤون الصحية بذلك كل حين ومين.
1300 مولدة أمبير مرخصة تنفث دخانها الملوث في كل مكان، لتتماهى مع أكوام القمامة
التي زاد انتشارها خلال السنوات القليلة الماضية خلافاً للسابق
ورغم سوء واقع النظافة في مدينة حلب، رفع مجلس مدينة حلب رسم الخدمات المعروف برسم النظافة إلى أرقام كبيرة، تشتكي منها الفعاليات الاقتصادية والخدمية من دون أن تنعكس الأموال المحصلة على تحسين النظافة في المدينة، المعروفة بجمالها العمراني ونظافة شوارعها، التي لم تكن تشهد مثل هذه المظاهر المسيئة، كما أن مجلس المدينة يحصّل إيرادات جيدة من خلال العقارات الكثيرة التي يمتلكها، والتي تضرر بعضها بفعل الحرب والزلزال أيضاً.
تكلفة مادية كبيرة
وعموماً رغم سوء الكهرباء في مدينة حلب، على نحو يؤثر في الأداء الإنتاجي للصناعة في حلب، لكن محافظة حلب بالتعاون مع مديرية الكهرباء، تُبذل قصارى الجهد لتحسين الواقع الكهربائي في العاصمة الاقتصادية، مع استمرار تركيب محولات كهربائية في أحياء مدينة حلب الشعبية، وخاصة تلك التي لم يصلها التيار الكهربائي، فقطاع الكهرباء ناله دمار كبير لدرجة أنّ البنية التحتية كاملة قد تضررت، ومنها المحطة الحرارية التي أُعيد تأهيل العنفة الخامسة والعنفة الأولى في طريقها إلى الخدمة قريباً، علماً أنّ الجهات المعنية بسبب هذا الضرر لجأت إلى التعاون مع المجتمع الأهلي من أجل الإسراع في إيصال التيار الكهربائي إلى الأحياء من جراء التكلفة المادية الكبيرة، التي يصعب على الخزينة تحملها، وطبعاً لا يمكن نكران أن هناك فساداً بطريقة أو بأخرى في عمليات توزيع الكهرباء أقله في فترات سابقة، ظهرت جلية من خلال إقالة مدير الكهرباء السابق بسبب مخالفات بهذا الصدد.
فساد كبير
لا يبدو توزيع المشتقات النفطية المكلّفة بها المديريات المعنية وأعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة أفضل حالاً، فملف المحروقات في مدينة حلب من القضايا الأكثر إشكالية ولاسيما مع تكشف الفساد الكبير في عمليات التوزيع تباعاً، والمقدرة بمليارات الليرات، وهو ما دفع المواطن ضريبتها، لناحية عدم حصوله على مخصصاته بالشكل الكافي، وتأثير هذا الفساد على أزمة النقل، فكميات المحروقات المسربة إلى السوق السوداء تؤدي حكماً إلى عدم حصول أصحاب المركبات العاملة على خطوط النقل والملتزمين بمهامهم على الكميات المطلوبة، من دون نكران أن أزمة النقل في مدينة حلب قد لا تتشابه في حدتها مع مدينة دمشق، لكن الكارثة تبرز في سوء توزيع المحروقات والتقصير والفساد في هذا الملف الدسم، الذي كان لمحافظة حلب دور في الكشف عن فساد بعض الأشخاص المتورطين والقبض عليهم بغية محاسبتهم وضبط عمليات التوزيع بشكل أفضل.
صعوبة التسعير
أما أسعار السلع التي تعد نوعاً ما أخفض من الأسعار في العاصمة دمشق، لكن بالمقابل يمكن القول إن العاصمة الاقتصادية فقدت ميزة أساسية كانت تشتهر بها، وهي البضاعة الرخيصة، لاعتبارات عديدة منها تكاليف الإنتاج العالية، وارتفاع سعر الصرف، والاعتماد على الأمبير المضاف إلى تسعيرة السلع، والضرائب المرتفعة المفروضة على الفعاليات الاقتصادية، والتكاليف غير المنظورة التي باتت معروفة للجميع،وبالتالي يصعب حسب ما ذكر مصدر في محافظة حلب ضبط الأسعار وخاصة مع التذبذب الحاصل في سعر الصرف، والتكاليف المتزايدة، علماً أن المكتب التنفيذي في المحافظة يحاول بصورة دائمة عند تسعير السلع مع مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك تسعير السلع وفق تكلفتها الفعلية وفرض تسعيرة مقبولة للمواطنين، لكن التغيرات الحاصلة بصورة متسارعة والتكاليف غير المنظورة تحول دون ذلك، وخاصة مع رفض التجار تداول الفواتير في ظل هذا الظرف، ما يعرّضهم إلى مخالفات كثيرة، لكن رغم ذلك يعودون إلى ممارسة المخالفة ذاتها، من دون اكتراث بالعقوبات رغم شدتها، بحجة أن الالتزام بالتسعيرة الرسمية يلحق أضراراً كبيرة بهم، مع الصعود المستمر لسعر الصرف وضعف القوة الشرائية، التي جعلت الأسواق في مدينة حلب تعاني ركوداً وجموداً خطيرين، وبالتالي يبدو عمل مجالس المحافظة إشرافياً أكثر منه رقابياً.
حلّ منطقي
وتبقى مشكلة إزالة الأنقاض التي خلفتها الحرب والزلزال من أكثر القضايا جدلية، في ظل العجز عن ترحيلها ونقلها بحجة تكلفتها العالية ونقص الآليات بحيث يصعب دخولها إلى بعض المناطق، وهذا أمر لا يمكن نكرانه وخاصة في ظل حجم الدمار الذي طال مدينة حلب، لكن أيضاً يصعب الاقتناع بعدم إمكانية وجود حلّ منطقي لنقل هذه الأنقاض وتدويرها وخاصة بعد مضي خمس سنوات على تحرير المدينة من الإرهاب، على نحو يسهم في التوجه نحو إعادة إعمارها وعودة أهلها إليها للقيام بهذه المهمة التي ينتظرها الكثيرين بفارغ الصبر.
مجرد وعود
ورغم هذه الحال الصعبة التي تشهدها مدينة حلب وخاصة بعد كارثة الزلزال، الذي زاد من أوجاعها، يبدو الوضع في الأحياء الواقعة وسط ومركز المدينة أفضل من المناطق الشعبية البعيدة أو حتى الأرياف، وتحديداً من ناحية الخدمات المقدمة من الماء والكهرباء والنظافة وتعبيد الطرقات، حيث يتم التركيز على مناطق مركز المدينة وتهمل الأحياء الشعبية، التي تعاني الأمرّين على كل المستويات، وهو ما يشير إليه المواطن ياسين رائد من منطقة بستان القصر، إذ يؤكد أن الخدمات في منطقته رغم قربها نسبياً من المدينة إلّا أنها ليست بالمستوى المطلوب سواء فيما يتعلق بالكهرباء، التي شارك الأهالي في إيصال التيار الكهربائي إليها عبر دفع مبالغ مالية معينة لشراء الكابلات، أما حال الطرقات التي أعلن أكثر من مرة أنه سيتم تعبيدها، فيعد سيئاً جداً وخاصة في فصل الشتاء، من دون تنفيذ هذه الوعود، التي يبدو أنها ستبقى وعوداً إلّا في حال حصول معجزة معينة.
رفض وتأجيل
“تشرين” قصدت مجلس مدينة حلب للسؤال عن المهام التي يضطلع بها والخدمات المقدمة بمعزل عن معالجة تداعيات الزلزال، التي تستحوذ حالياً على الحصة الأكبر من الوقت والجهد والمال، لكن يبدو أن الموضوع لم يرق لمسؤوليه في ظل التقصير الواضح في مستوى الخدمات المقدمة لمعالجة أحوال المواطنين غير الراضين بالمطلق على أدائهم، حيث كان هناك رفض أو تأجيل لمواعيد غير محددة بحجة عدم توافر الوقت.
رفع مجلس المدينة “رسم النظافة” إلى أرقام كبيرة تشتكي منها الفعاليات الاقتصادية والخدمية
من دون أن تنعكس الأموال المحصلة على تحسين النظافة في المدينة
وبالمقابل كان مسؤولو محافظة حلب أكثر ليناً بالتعاطي معنا والرد على تساؤلاتنا، حيث أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع الكهرباء والمياه والصرف الصحي جفال الجفال، أن محافظة حلب تعمل على تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين قدر الإمكان ضمن الإمكانات المتاحة مع محاولة إيجاد الحلول ومعالجة العقبات والصعوبات بالتعاون مع المديريات المعنية، التي تمتلك كل منها ميزانية خاصة فيها تنفقها على عمليات إعادة التأهيل والإصلاح وإنجاز مشاريع جديدة إن كان بالإمكان، فمثلاً في موضوع الكهرباء يتم التعاون مع مديرية الكهرباء في تأمين وصول التيار الكهربائي في معالجة الواقع الكهربائي وإيصال الكهرباء إلى الأحياء التي لم تصل إليها من خلال تزويدها بالمحولات الكهربائية، حيث ركب 150 محولة العام الفائت، وهناك خطة لتركيب محولات أخرى حسب الإمكانات المتاحة وتزويد حلب بها، مشيراً إلى أنّ العمل الشعبي ساهم كثيراً في حلحلة مشكلة الكهرباء في بعض هذه المناطق عبر المساهمة بدفع مبالغ مالية معينة لإسراع بإيصال التيار الكهربائي وتحديداً في الأرياف.
أما المياه فوصف وضعها بالجيد نسبياً، حيث تصل مياه الشرب حسب قوله إلى كل المناطق والأحياء في مدينة حلب وفق برنامج تقنين محدد، مؤكداً إصلاح وترميم جميع خطوط المياه في المدينة، ولا توجد إشكالية في ذلك، داعياً المواطنين الذين لديهم مشكلة فيما يتعلق بالمياه التواصل مع محافظة حلب لمعالجتها فوراً.
وفيما يتعلق بالصرف الصحي، أكد أن الشركة العامة للصرف الصحي تتولى أعمال الصيانة وتأهيل شبكات الصرف الصحي دورياً والاكتفاء بصيانة المشاريع القديمة، فلا توجد أي مشاريع استثمارية جديدة في ظل قلة الموارد المادية الكافية لهذا الهدف، الذي يحتاج أموالاً كبيرة غير متوافرة حالياً.
تأهيل البنية التحتية
وكان لـ”تشرين” لقاء أيضاً مع الدكتور عبد القادر دواليبي عضو المكتب التنفيذي المختص بمجلس محافظة حلب، الذي بيّن أن مجالس الوحدات الإدارية تشتغل على مسارين، خدمي يتعلق بإصلاح البنية التحتية المتضررة، وتسهيل عودة الأهالي إلى أراضيهم وأعمالهم ومنشآتهم، لكن عموماً التركيز الأساسي بعد تحرير مدينة حلب من الإرهاب يتركز على إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، من مشاريع تعبيد الطرقات والتزفيت والصرف الصحي والكهرباء والهواتف والمياه وغيرها.
وبين الدكتور دواليبي أن مشاريع المياه تشكل أولوية بالنسبة لمحافظة حلب، حيث تعمل بالتعاون مع وزارة الموارد المائية ممثلة بالمؤسسة العامة للمياه وبعض المنظمات الدولية على تنفيذ مشاريعها، كما أن الكهرباء تأخذ حصة كبيرة من الاهتمام عبر العمل على وصل التيار الكهربائي إلى كل قرية وحي، من خلال تركيب المحولات الكهربائية في المناطق التي لا يصلها التيار الكهربائي، والتركيز على إصلاح المحطة الحرارية بحلب، وتوزيع الكميات المولدة للكهرباء على المناطق السكنية والصناعية، لكن تأمين الكهرباء بصورة جيدة مرهون بالكميات المخصصة لمدينة حلب من الإدارة المركزية في دمشق.
مشاريع تنموية
وشدد الدكتور دواليبي أنه بالتوازي مع هذه المشاريع الخدمية الأساسية، هناك مشاريع تنموية تتابع تنفيذها الوحدات الإدارية كمشاريع غربلة الحبوب وفرز الأعلاف ومشاريع إنتاج الفطر وغيرها، فكل وحدة إدارية لها موازنة ذاتية خاصة، إضافة إلى الموازنة الاستثمارية، لكن حتى تقدر هذه الوحدات الإدارية على تحقيق مشاريعها التنموية يتطلب توفر الخدمات الأساسية على نحو يضمن عودة كل المواطنين إلى مناطق سكنهم والمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية ومشاريع التعافي وتحقيق التنمية المستدامة، فالمجتمع المحلي يعد شريكاً أساسياً في إنجاز هذا الهدف.
ملف المحروقات في مدينة حلب من القضايا الأكثر إشكالية، ولاسيما مع تكشّف الفساد الكبير في عمليات التوزيع تباعاً
وبيّن الدكتور دواليبي أن مدينة حلب تتألف من 164 وحدة إدارية، لكن الوحدات الإدارية الفاعلة على الأرض تبلغ 86 وحدة فقط، حيث توجد وحدات إدارية لا تزال خارج سيطرة الدولة، لكن رغم ذلك لها مجالس خاصة بها وممثلون عنها في مجلس المحافظة.
راضٍ ولكن ..!
وعند سؤال “تشرين” حول إذا كان راضياً عن أداء مجالس محافظة حلب، أكد الدكتور دواليبي أن قياس حالة الرضا يقترن بالإمكانات المتوافرة، بالتالي نظراً للمتوافر منها يعد الإنجاز جيداً وخاصة عند النظر إلى ما تعرضت له حلب من أضرار بسبب الحرب والزلزال، مشيراً إلى أنه يعمل بصورة دورية على تمكين الوحدات الإدارية من تنمية قدراتها وكفاءاتها على حسن الإدارة فنياً ومالياً وإدارياً، وكيفية الاستجابة للكوارث، وهو ما تضمنته الدورة التدريبية التي نظمت في محافظة حلب بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية خلال الأسبوع الحالي لأجل تطوير الأداء والقدرات وحسن استثمار المواد المادية المتاحة رغم التحديات القائمة، مبيناً أن الارتقاء بقدرات وكفاءات كوادر الوحدات الإدارية يتم بشكل تدريجي على نحو يخدم المواطن وتأمين المستلزمات الأساسية له، فالمواطن يشكل البوصلة دوماً لكن الظروف الصعبة القائمة والإمكانات المحدودة تحول دون نيله رضا في أغلب الأحيان.
اقرأ أيضاً: