تشخيص هادئ لمشكلات الاقتصاد السوري.. ورؤية الحل على طاولة “الثلاثاء الاقتصادي” في دمشق
تشرين – هناء غانم:
يواجه الاقتصاد السوري العديد من الأزمات المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط به بالإضافة الى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية الأمر الذي زاد من حدة الصعوبات التي واجهها إضافة الى تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية التي هي في جوهرها حرب الغرب برئاسة الولايات المتحدة.
الحمش: مراجعة السياسات الاقتصادية وتوطيد ثقة المواطن باقتصاده وعملته الوطنية ومؤسساته
الدكتور والباحث الاقتصادي منير الحمش خلال ندوة نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية بعنوان “الاقتصاد السوري” بين أننا جميعنا كمواطنين نشعر بأزمة الاقتصاد السوري من خلال معيشتنا اليومية والواقع يؤكد أن هناك تراجعاً واضحاً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد تلك السنين من الحرب على سورية التي أدت إلى ضياع جيل كامل من السوريين وأحدثت تأثيراً مدمراً على البشر والحجر، كما أن معدلات الجوع والفقر في سورية بلغت مستويات قياسية في ظل انهيار اقتصادي ومالي مزمن.
تدهور فرص كسب العيش
الحمش أشار الى دور الحرب التي أسفرت عن خفض كبير في النشاط الاقتصادي بسبب الآثار الاجتماعية وزاد من حدة النتائج الكارثية للحرب العقوبات الاقتصادية المفروضة، وكان واضحاً أيضاً في المجتمعات السورية المختلفة في المدن والريف الارتفاع المستمر لمستويات الفقر فقد أدى انهيار الأنشطة الاقتصادية إلى جانب العوامل الأخرى إلى تدهور فرص كسب العيش والاستنفاد التدريجي لقدرة الأسرة على التكيف، وقد تجلت الأزمة الاقتصادية في جميع المناطق السورية في انهيار متسارع ومتواتر في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، والارتفاعات المتوالية والمتسارعة لأسعار المواد والسلع الاستهلاكية الأساسية، هذا إلى جانب الارتفاع في أسعار المشتقات النفطية والكهرباء وانعكاسات ذلك كله على أسعار الخدمات “خاصة النقل والانتقال” وعلى الفاتورة النهائية لتكاليف المعيشة التي أوصلت أعداداً متزايدة من الأسر إلى حالة من الفقر المدقع.
خلل في الميزان التجاري
كما يرى الباحث الاقتصادي أن أهم أسباب تدهور سعر الصرف هو تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي الوطني والحاجة إلى القطع الأجنبي لتأمين احتياجات البلاد الضرورية من الخارج في مقابل انخفاض كبير في التصدير وبالتالي الخلل في الميزان التجاري /الاستيراد والتصدير/ ونتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي فقد تم إنهاك الاقتصاد الوطني فتراجعت الإيرادات العامة وبالتالي تم استنزاف هذه الموارد وتصاعدت أرقام العجز في الموازنات العامة.
مسارات إضعاف الاقتصاد السوري
تحدث البنك الدولي في نشرته نصف السنوية عام 2022 عن المسارات الثلاثة التي أدت إلى إنخفاض حجم النشاط الاقتصادي إلى النصف خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و 2019 وهي مسار الدمار المتمثل في التسبب في الإضرار بالممتلكات والأصول الإستراتيجية، ومسار النزوح الذي تسبب في شيخوخة السكان نتيجة النزوح ومسار الفوضى الذي سبب إضراراً مجتمعية وتردي الحوكمة.
قرار إسعافي لتدهور الحالة المعيشية وعدم تناسب الرواتب والأجور مع تكاليف العيش للمواطن
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد السوري فقد خلال سنوات الحرب ثلثي مقوماته بسبب الأعمال الإرهابية والعقوبات والهجرة فضلاً عن خسارته لأهم موارده، ووصل أغلب السكان إلى تحت خط الفقر وقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 20 مليار دولار عام 2019 بعد أن كان 60 مليار دولار عام 2010 .
مؤشرات التراجع
وأضاف الحمش: مع استفحال الفساد وانتشاره ، وتشديد العقوبات الاقتصادية يستمر تراجع الاقتصاد الوطني بمؤشراته المختلفة كما يستمر تصاعد معدلات التضخم المنفلت وبالتالي يستمر تدهور سعر الصرف والإضرار بثقة الناس بالعملة الوطنية، مع تصاعد العمليات العسكرية في أوكرانيا وانعكاساتها السلبية على سلاسل التوريد وعلى الأمن الغذائي وأمن الطاقة والتضخم في جميع أنحاء العالم، تزداد الصعوبات المعيشية أمام فئات الشعب المختلفة في سورية ويزداد تأثير العقوبات أمام الاقتصاد السوري..
تفاؤل
وأشار الباحث إلى أن قرار عودة سورية إلى عضوية الجامعة العربية جاء ليوجد نوعاً من التفاؤل لدى الرأي العام السوري وبالأمل في تحسين الأوضاع المعيشية وحل الأزمة الاقتصادية إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث، فلم يشهد الاقتصاد السوري انفراجاً ما لأزمته، كما لم يشهد المواطن السوري تحسناً في أوضاعه المعيشية، والسبب هو ما ذكرناه حول تعقد وتشابك المسألة السورية ويأتي في مقدمة الأسباب الجمود الذي يحيط بمسألة الحل السياسي والتي يأتي في مقدمتها موقف الولايات المتحدة المتعنت تجاه أي حل، فهي تعمد إلى عرقلة وإعاقة أي تقدم في المسار السياسي، كما أنها تشدد عقوباتها التي تتناول أسباب العيش للسوريين، وهي لا تكتفي بعقوبة الشعب السوري، إنما تعاقب أيضاً الدول التي تفكر بتقديم عون لسورية وتفكر بإقامة علاقات مع الحكومة السورية.
ما هو الحل؟
الباحث الاقتصادي بين أن التعافي من الحرب يرتبط بنتائج المراجعة التي يجب أن تجري للسياسات الاقتصادية التي كانت متبعة قبل الأزمة وخلالها، وبالتالي فإن الضرورة تفرض تحول في السياسات الاقتصادية والاجتماعية يتناسب مع الدروس المستخلصة، الأمر الذي يحتاج إلى تغيير في التفكير والمسائل المرتبطة بالاقتصاد والتحليل الاقتصادي فضلاً عن تغيير الوسائل والأدوات وهكذا فإن حل مشكلتنا الاقتصادية والانطلاق نحو مرحلة جديدة من التعافي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتطلب إجراء مراجعة موضوعية للسياسات ما قبل الأزمة وخلالها وحتى الآن.
مؤكداً ضرورة وضع الأساس النظري والعملي للسياسات المقترحة لمرحلة التعافي وما بعدها واتخاذ خطوات جادة بالابتعاد عن التوجهات الليبرالية التي كانت السبب الأساسي للأزمة.
والتأكيد على توطيد ثقة المواطن السوري باقتصاده وعملته الوطنية ومؤسساته أي أنه يجب أن تشمل عملية مراجعة السياسات كافة القرارات المالية المتعلقة بالضرائب وخاصة في جانبها المتهافت على زيادة الإيرادات وكذلك القرارات الخاصة بالتخلي عن بعض أصول الدولة من المباني والأرضي والمؤسسات، تحت عناوين تشاركية من خلال عقود خاصة، إضافة إلى ضرورة مواجهة علمية سريعة وإسعافية لتدهور الحالة المعيشية ومعالجة حالة عدم تناسب الرواتب والأجور مع تكاليف العيش للمواطن.