«أبيض أسود» تكنيكٌ سينمائيٌّ مختلف مفعمٌ بالأمل المخرج السينمائيّ علي ابراهيم: نلتمس البياض من عتمة السواد
تشرين- ميسون شباني:
يمكن توصيفه بأنه سرد سينمائي جديد بصيغة مختلفة صاغها باحترافية عالية المخرج الشاب علي ابراهيم، واختار هذه المرة تكنيكاً لتقديم مقولته عبر تجربته السينمائية الاحترافية الثانية، والتي حملت عنوان« أسود أبيض» الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وبطولة كل من: روبين عيسى، صباح السالم، نادين قدور، ماهر الراعي، والطفلة لامار جبارة.
جدلية نفسيّة وواقع ملوّن
تنقل المخرج ابراهيم بكاميرته بين أرض كيوان ومشروع دمر، وقدم مزاوجة بصرية عبر وحدة المكان.. يقول ابراهيم عن فكرة الفيلم : قسوة الحياة تفعل فعلها وتسحق أحلام البعض، لذا نلتمس البياض من عتمة السواد، نزرع حلماً أبيض ليكون أملاً للوصول إلى غدٍ أفضل، لنرتقي في حكاياتنا عن سواد واقعنا، لعلّه يصبح أجمل.. ويستكمل ابراهيم حديثه قائلاً :حياتنا تشبه الألوان بتدرجاتها كاملة، ونحاول عبر الألوان أن نسقطها على شيء قريب منا.. وعن مدى انعكاس الحالة الداخلية له عبر الألوان، يجيب ابراهيم : الحقيقة أن الواقع ملون والأفكار التي نكتبها تشابه واقعنا، وهذه المقاربة أتت من جانب يألفه جميع الناس عبر الألوان: تركواز، لأن الأسود والأبيض لا يعكسان حالتي الداخلية بالضرورة .
تشكيل بصري متكامل
وبخصوص كون كاتب الفيلم هو مخرجه هل السبب أنه الأقدر على نقل ما كتبه بصرياً، يقول إبراهيم: إن المعادلة ليست شرطية أكيدة، أن يكون صانع الفيلم هونفسه كاتب النص، بمعنى أن القصة تبدأ من فكرة لامعة، وتتراكم تفاصيلها ونضع فرضياتها، ونبني شخوصها، ولكن إذا كنت أمتلك من الأدوات ما يؤهلني لصناعة نصي الأدبي فلمَ لا أكتبه وأحاول أن أتلافى عبره الثغرات الأدبية، خاصة أنني سأصنع هذا المنتج كعمل فني أسعى من خلاله لتشكيل صورة بصرية تخدم فحوى الفيلم الذي يعتمد على الحالة الحسية للشخصيات، فنحن نقدم منتجاً فنياً ممزوجاً بحب لنرتقي ونقول شيئاً نستطيع قوله عبر الفن.
وعن علاقاته بالكادر الفني يقول ابراهيم :إن العمل الفني صناعة، والصناعة يجب أن يكون فيها مشرف على كل التفاصيل الفنية بدءأً من تنفيذ فكرة النص المكتوب ومتابعة كل ما يتعلق بالاشتغال الفني على الفيلم من مونتاج ومكساج وتأليف موسيقي وتلوين بصري حتى يخرج الفيلم بشكله النهائي .
مسؤولية أكبر..
وعن تعاونه مع الفنانة روبين عيسى يقول إبراهيم: هذا التعاون الثالث بيني وبين الفنانة روبين عيسى، وأعتقد أن شكل المسؤولية يختلف بعد أن كنت مخرجاً منفذاً في فيلمها «فيلم طويل جداً» وشاركت في بطولة فيلمي«تركواز» والآن «أسود أبيض» شكل التعاطي مع المادة الأدبية، لأن المخرج يشاهد تصوراً معيناً، ويمسك بيده مفاتيح القصة برمتها، حجم المسؤولية أكبر خاصة في التعاطي مع العقبات حتى على الصعيد النفسي يبدو مختلفاً، إضافة إلى أنه عندما أكون مخرجاً، فهذا يعني أنني أملك مفاتيح الحلول وأعرفها، وأحاول خلق كيمياء معينة كي أترجمها، وأخلق حالة من التفاهم كي نصل إلى الصيغة النهائية للاشتغال البصري.
الأمل موجود..
الفنانة روبين عيسى قالت لـ«تشرين» إن الغوص في الحالات النفسية والبحث في عوالمها ممتع جدا، وتلّخص عيسى حديثها عن شخصية «سلمى » الفتاة الحالمة الفقيرة والمتصالحة مع ذاتها رغم كل ما يحدث لها ، ترسم بذكاء لافت واقعها الخاص بعيداً عن مجمل الظروف التي تحكمها، وتتطلع إلى المستقبل بروحٍ مشرقةٍ، متمسكةً بخيوط الأمل التي تحاول من خلالها الصعود نحو الطبقات العليا هرباً من الواقع المر الذي تعيشه، وطبعا نرى الوجه الثاني للحياة التي تعيشها سلمى في حياة امرأة أخرى تتمنى «سلمى» أن تحياها في رمزية مكثفة تلتقطها عين الكاميرا وتطوعها في خدمة المشهد السينمائي ..
اهتمام بالتفاصيل
وتابعت «تشرين » عمليات مونتاج الفيلم، إذ رأى فني المونتاج وائل طه أن عملية المونتاج مرحلة مهمة في الشكل البصري للفيلم، خاصة أن الفيلم يكون قبل خضوعه لهذه المرحلة مختلفاً عما بعده، ويكمل طه : نعمل حالياً على اللونية المفترضة لأحداث الفيلم و«أبيض أسود» لأنه يحمل كماً عالياً من الإيقاعات النفسية المتداخلة القائمة على الإرهاصات الداخلية، ففكرة الغوص في هذه العوالم مهمة صعبة تصدى لها المخرج علي ابراهيم بذكاء من جهة التصور والصيغة السينمائية المطروحة ومن الناحية اللونية والموسيقا التصويرية المرافقة للفيلم، وأعتقد أن التكنيك الذي يعمل فيه المخرج ابراهيم يعكس مدى اهتمامه بكلّ التفاصيل التي تخصّ فكرة الفيلم.