معرضٌ للخريجين وتساؤلات… مركز أحمد وليد عزت في ذكرى التأسيس الستين

تشرين- لبنى شاكر:

يَتوازى المعرض الفني لخريجي مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية والمُفتتح مُؤخراً في مقره في الجسر الأبيض، مع مرور ستين عاماً على تأسيس المركز (1963-2023). مُناسبتان تُثيران الكثير من التساؤلات، في مقدمتها ما يتعلق بالدعم والأجور اللذين تُقدمهما وزارة الثقافة لواحدٍ من أقدم المراكز الفنية في دمشق، إلى جانب مُواكبة مُدرّسي المركز وفنانيه لِما يستجد من تقنيات وأساليب ووسائط، ومن ثم نقلها إلى الطلاب، كهواة ومُحبين للفن، يحاولون تطوير إمكاناتهم بالدراسة الأكاديمية.

سعى المركز في البداية إلى تنمية الصناعات الحرفية مثل النسيج والشاشة الحريرية والحفر على الخشب وسكب البرونز، لكن وجوده في منطقةٍ سكنية، حال دون مزاولة هذه الحِرف، لينحصر الاهتمام لاحقاً بالنحت والخزف والرسم والخط العربي، يقول مدير المركز الفنان أنس قطرميز في حديثٍ إلى «تشرين»: «المركز معنيٌّ بالتعاطي مع هواة الفنون، لكننا نأخذ في الحسبان مستويات المتقدمين، ربما تكون الثقافة الفنية متواضعة، فنبدأ من الصفر، لكن لو توافرت خبرات سابقة أو تجارب في عالم الفن، نبني عليها ونذهب بها إلى مزيدٍ من الاحترافية والإتقان».

يُؤكد قطرميز الحرص على تقديم الأساسيات والقواعد الفنية، ففي النحت مثلاً، يتعلّم الطلاب تشكيل الصلصال وتقنيات قوالبه، وما يخص الخامات، وفي الخزف يتدربون على خلط المواد، إضافة إلى التلوين والشوي، يقول: «نُقدِّم المعلومات والأساليب وطرائق العمل، عبر خبرات وكوادر مختصة، بشكل دقيق وعالي المستوى، ما زال المركز يصدر الفن والفنانين للساحة الثقافية السورية، خريجونا جاهزون للعمل وإثبات النفس، ولديهم ما يلزم من معارف ومقدرة».

الاهتمام بما يطرأ من فنون استُخِدمت فيها التكنولوجيا، وما ينسحب عليه توصيف الجديد والمُعاصِر، يجد مكاناً له في المركز، وإن كان تعليم الأساسيات أولوية، على ما يقوله قطرميز، مُضيفاً: «بعض التقنيات عمرها آلاف الأعوام، لا بد من معرفتها وتجريبها قبل تجاوزها إلى ما سواها، منها مثلاً النحت المباشر، وقوالب الجبصين، هذه خطوط ومبادئ أولى لا يُمكن الاستغناء عنها»، وفي السياق ذاته، أشار قطرميز إلى ندرة العاملين اليوم في فنون تطبيقية كالعجمي والزجاج المعشق والقيشاني، حتى إن المركز لم يجد من يُساعد في تدريس بعضها، كالتصوير الضوئي مثلاً، مع ندرة المواد اللازمة وغلائها، فاضُطر لإغلاق هذا القسم وتحجيم بعض الاختصاصات، بما ينسجم مع الدعم المُقدّم من وزارة الثقافة، والذي لا يُمكن تجاوزه.

في المعرض، قدّم المشاركون (41 خريجاً)، نماذج لِما تدربوا عليه من تقنيات عبر موضوعات يُترك لهم عادةً حرية اختيارها (155 عملاً فنياً)، من بينهم سوسن محمدية، تخرجت في معهد أدهم إسماعيل قبل أعوام، ثم التحقت بالمركز لدراسة النحت، وفي الوقت ذاته أقامت عدة دوراتٍ تدريبية للأطفال واليافعين، في عملها الأول «حصان» ضمن ما يسمى في الاختصاص البناء المباشر، استخدمت مجموعة مواد منها «أسلاك، شاش، فايبر، جبصين»، وصولاً للنتيجة المطلوبة، ولجأت إلى ألوان الإكريليك والتعتيق الذهبي لإعطاء المنحوتة ملمساً وشكلاً يُوحي بأنها من المعدن، وفي العمل الثاني وجه أنثوي، سمّته «حلم»، وظّفت خامة الريزين مع الصلصال، تقول لـ «تشرين»: «تجربتي في الرسم ساعدتني في مجال النحت، بما يتعلق بالنسب والأبعاد واللون، كذلك لم أجد صعوبة في التعتيق»، ومع أن إشكالياتٍ عدة تواجه الفنانين عموماً، من بينهم الجدد والشباب، كما تقول محمدية لكن غياب فكرة الاقتناء عموماً، أكثرها صعوبة، وعلى حد تعبيرها: «اقتناء العمل الفني يدعم الفنان ويحفزه لمزيد من الإنتاج، لكن مع ذلك العمل مستمر، والفائدة المعنوية كبيرة جداً، أتمنى أن تجد أعمالي صدى واهتماماً عند المتلقي». أيضاً التقينا أكرم الخياط، أنهى دراسته في طب الأسنان مؤخراً، ومع توافر الوقت ورغبته في تعلّم المزيد عن هوايته النحت، التحق بمركز أحمد وليد عزت، وقدّم في المعرض مجموعة أعمال، يقول: «التوازن مطلوب بين التقنيات والموضوعات، فالكتل الكبيرة مثلاً الأفضل نحتها بالطين، وتحضير قوالب لها، أما حين يحوي العمل انحناءاتٍ وأجزاء رفيعة فيمكن بناؤه مباشرة بالجبصين، والهدف دائماً التعلّم والتجريب وتقديم عمل متكامل» أمّا عن مستقبله كنحات، فقال: «النحت خط ثانوي في حياتي، يحتاج وقتاً ومواد وتجهيزات، أتمنى أن يبقى هواية أحبّ ممارستها، وأسعى لتنميتها قدر استطاعتي».

ومن المشاركين نوار جنيح، تخرجت في كلية هندسة العمارة وحاصلة على ماجستير في ترميم المباني الأثرية، درست الرسم في معهد أدهم إسماعيل، وتابعت دراسة النحت في المركز، قدمت أربعة أعمال، من الجبصين والريزين المفرغ والإسمنت الأسود، تقول: «يُفترض أن يكون النحات قادراً على تطويع أي مادة، لهذا اشتغلت وجرّبت لأتعلّم وأستمر»، وترى جنيح أن العمارة والفن عالمان لا يمكن فصلهما، من هنا ساعدتها دراستها في العمل على السطوح الملساء والانحناءات القريبة من الأشكال الهندسية، ومع استمرار التجارب والمحاولات، سيكون لأعمالها حضور ومكانة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار