مسوغات معلّبة
على ما يبدو أنه لم يعد للمطالب بشأن معالجة قضايا الناس الملحّة الوقع المأمول لدى الجهات ذات العلاقة، حيث أصبح معظمها يُقابل بفتور ولامبالاة، والردود المعلّبة تجاهها جاهزة مسبقاً من قبيل ضعف ثقافة الشكوى وصعوبة الظروف السائدة وقلة الإمكانات.
لطالما طرحت معاناة الناس مع أجور النقل المخالفة التي يتم تقاضيها مضاعفةً عدة مرات، والملاحظ أن الجهات الرقابية لا تتدخل بمسوغ عدم وجود شكوى خطية من المواطنين، علماً أن المخالفات بأجور النقل باتت ظاهرة يعرفها القاصي والداني، وما زالت تتفشى لأن إجراءات ردعها قاصرة، ولو أن اسم الشاكي يحيّد ويبقى مخفياً لانهالت الشكاوى تجاهها وبغزارة، إذ إن إظهار الاسم ضمن ظروفنا الراهنة قد يلحق بصاحبه الضرر.
كذلك الحال عند الحديث عن تجاوزات محطات الوقود وتلاعبها حيث لا تُقبل الشكوى الشفهية ويتم اشتراطها خطية، وهنا يتراجع المواطن لأن بعض أصحاب محطات الوقود لا يؤتمن جانبهم، وهم يتعاملون بخشونة وتعالٍ غير مبالين بشيء، ولا أحد يعلم ما الذي يستندون إليه حتى أصبحوا بهذه العنجهية، وللعلم فأغلبية المحطات في حال مخالفتها وتغريمها تجدها تعيد الكرة بالمخالفة، ما يؤشر إلى أن ما تجنيه من وراء مخالفاتها أكبر بكثير من الغرامة، ما يستدعي إجراءات أكثر صرامة لردعها.
والمخالفات في أروقة الأسواق لجهة الفحش والاستغلال في الأسعار أو جهة التلاعب بالصلاحية أصبحت أمراً واقعاً، فيما التعامل معها لا يزال هشاً بمسوغات ضعف الشكوى وقلة كوادر الرقابة وعدم إمكانية الوصول لبعض المناطق بسبب الظروف.
وإذا ما وقع جور على المواطن من الأجور الباهظة والمتفاوتة لقاء خدمات إصلاح السيارات والأدوات الكهربائية، وأعمال حرف الحدادة والنجارة والألمنيوم والبلّور ومهن البناء وغيرها، لا يعرف أين يتوجه بشكواه، وإن أرشده أحد المتابعين بأن الوجهة هي الجمعيات الحرفية ونقابات العمال حسب التبعية، قد تأتيه الإجابة منها بأن الأمر يخضع لما اتفق عليه الطرفان، وفي حال البحث بالخلاف قد لا يُفض ويرفع الجور إلا بشق النفس، وهنا لا أحد يعلم لماذا لا يتم تحديد سقوف لأجور الحرف والمهن والالتزام بها بعد تفنيد مفرداتها من مختصين.
وإن أتيت على تجاوزات المشافي والمخابر ودور الأشعة الخاصة وكذلك الصيدليات وغيرها، فإن التعامل مع مخالفاتها بفرض أجور وأسعار غير نظامية يكاد يكون شكلياً، وخاصة أن من يتابعون المخالفات بهذا الشأن هم أطباء وصيادلة يعملون بالمجال نفسه وغالباً ما يلتمسون مسوغات لتمريرها، ولهذا ينبغي أن تكون في عضوية اللجان التي تنظر بتلك المخالفات أطراف محايدة لا مصلحة لها في مداراة أي مخالفات.
إذاً نحن أمام كم كبير من المخالفات المنفلتة من الرقابة وفي جميع المجالات، والمواطن المغلوب على أمره هو من يتكبد التبعات، ما يتطلب تفعيل الرقابة وتشديدها توازياً مع تدعيم كوادرها ومؤازرتها من الجهات المختصة والتعاون والتنسيق مع المجالس المحلية والمجتمع الأهلي، لعلها تطول معظم المخالفات وتضبطها أينما حلت وأياً كان مرتكبها.