التحالف النفطي بين السعودية وروسيا يعزز نفوذه: نملك ونحكم.. توسع «أوبك+».. ممنوع على أميركا أن ترتاح

تشرين – مها سلطان:
في أدبيات «هوليود» أنّ الولايات المتحدة هي من أسست منظمة «أوبك» – منظمة الدول المصدِّرة للنفط – فهي من أدارت لعبة التأسيس سراً بين حلفائها من الدول النفطية، وعلى رأسها السعودية التي كانت المؤسس المُعلن للمنظمة في عام 1960 وكان معها كلٌّ من إيران والعراق والكويت، لتنضم بعدها تباعاً بقية الدول الأعضاء.

الرواية الهوليودية قابلة للتصديق بنسبة كبيرة جداً..
أولاً، باعتبار أن هوليود بمنزلة مرآة للسياسات الأميركية، كما هي «وول ستريت» مرآة للاقتصاد الأميركي.
وثانياً، باعتبار أن الولايات المتحدة ليست «قوة نفطية» وعليها بالتالي أن تحتوي مبكراً القوة المستقبلية للدول النفطية، بما فيها الدول الحليفة، وذلك من خلال تأطيرها ضمن منظمة تستطيع الهيمنة عليها «كما هو حال المنظمات الأممية والدولية الأخرى»، وكان جلياً خلال العقود التي تلت التأسيس، كيف أن أمن الطاقة الأميركي وكل الاقتصاد الأميركي ارتبط ارتباطاً مباشراً بقرارات أوبك، فالولايات المتحدة أحد أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، وأي خلل أو تهديد في إمدادات الطاقة، وعلى رأسها النفط، هو كارثة بالنسبة لها، ولا ننسى هنا كيف أن الدولار الأميركي مرتبط بالنفط ارتباطاً مباشراً كعملة عالمية مسيطرة.

فعلياً طوال عقود ما بعد التأسيس، لم تشكل أوبك أي تهديد، أو مصدر قلق للولايات المتحدة، حتى عام 2014، أي بعد خمسة أعوام من اندلاع ما يُسمى الربيع العربي، ويمكن عدّ ما حدث في هذا العام أنه أول مواجهة فعليّة بين الولايات المتحدة وأوبك، علماً أن التوترات كانت قد بدأت منذ بداية هذه الألفية مع صعود الصين كقوة اقتصادية غير قابلة للاحتواء، ومع عودة روسيا إلى الساحة العالمية كقوة سياسية/عسكرية غير قابلة للإعادة إلى الوراء..

وعندما نربط ما بين «الربيع العربي» وتحول أوبك إلى عامل تهديد للولايات المتحدة فهذا لأن الربيع العربي بقدر ما أفرز من دمار وتفتيت للدول المستهدفة، وتشتيت لعوامل القوة والدفاع والأمن وعلى كل المستويات، أنتج نوعاً جديداً من «التفكير المستقبلي» في منطقتنا خصوصاً لدى الدول النفطية التي وإن نجت من ذلك الربيع، إلّا أنها استطاعت مبكراً قراءة أن كوارثه لا بدّ أن ترتد عليها، وهذا ما حدث لتجد نفسها محاصرة بمحيط عربي مشتعل يشدّها نحو أتونه رغم كل ما تتخذه من إجراءات الحماية.
وعندما نربط كل ما يتعلق بأوبك بالولايات المتحدة فهذا لأنها فعلياً الطرف الثاني في معادلة النفط العالمية تحت سقف أوبك المهيمنة على السوق العالمي، إنتاجاً وتصديراً، بل هي المعادلة كلها، سواء كان صحيحاً ما جاء في أدبيات هوليود، أو لم يكن.

تأسست «أوبك+» كاتفاق وليس كمنظمة موازية لأوبك وكان يفترض أن ينتهي بنهاية 2018 ، لكنه تحوّل إلى علاقة طويلة الأمد بين «أوبك» وروسيا، وبين السعودية وروسيا

هذه مقدمة لا بدّ منها استدعتها مسألتان لا بدّ أن تضاعفا قلق واشنطن وتوسعا مخاوفها، ليس فقط لأن هاتين المسألتين متعلقتان بأوبك بل لأنهما تتعلقان بالدولتين اللتين تقفان خلفهما، وهما السعودية وروسيا.
والمسألتان هما: توسعة «أوبك+» وتمديد خفض الإنتاج «الطوعي» وذلك حتى آب المقبل مع إمكانية تجديد التمديد.
ولكن قبل التطرق لهاتين المسألتين لنعد إلى عام 2014 وما جرى فيه، ونتائجه في عام 2016، وكيف بدأ ذلك التفكير المستقبلي لتجد أميركا نفسها وجهاً لوجه أمام «انقلاب أوبك» ضدها.
– في عام 2014 قادت السعودية بالاتفاق مع الولايات المتحدة وفي استهداف مباشر لروسيا، عملية تخفيض كبرى لأسعار للنفط وصلت إلى ما دون 28 دولاراً للبرميل الواحد، وكانت النتائج كارثية، بكل معنى الكلمة، على الجميع، بما فيها السعودية، وفي تحليلات الاقتصاديين حينها أن السعودية لن تُقدم أبداً على خطوة مماثلة في المستقبل، وهذا ما حدث تماماً، ولكن ما لم يتوقعوه أبداً، ولم تتوقعه الولايات المتحدة نفسها، أن تدير السعودية الدفة دورة كاملة باتجاه روسيا، لتقود ما يمكن تسميته بالانقلاب في منظمة أوبك وتفرضه على الولايات المتحدة، من دون أن تنجح كل تهديداتها في ثني السعودية عنه، لا بل السعودية تمسكت بانقلابها أكثر فأكثر، عاماً بعد عام، حتى اليوم، وهكذا بعد أن كانت السعودية «حصان طروادة» أميركا داخل أوبك، باتت رأس حربة ضد الولايات المتحدة.

– المحطة الرئيسة الكبرى في مسيرة أوبك كانت أواخر 2016 عندما اجتمعت دولها الأعضاء مع روسيا «وهي غير عضو في أوبك» لبحث تقليص إنتاج النفط من أجل لجم تخمة المعروض العالمي، والتي قادت إلى تهاوي الأسعار من 115 دولاراً للبرميل عام 2014 إلى أقل من 28 دولاراً كما ذكرنا آنفاً، وتوصل المجتمعون إلى اتفاق سُمي «أوبك +»؛ أي أوبك وشركاؤها، أي روسيا تحديداً التي تقود ما يسمى «المنتجين المستقلين»؛ أي منتجي ومصدري النفط خارج أوبك.
– وقع «أوبك+» كان مدوياً في واشنطن: أولاً لأنه نصّب روسيا «إلى جانب السعودية» شريكاً قائداً في أوبك، وثانياً لأنه يؤسس لنظام عالمي موازٍ في أهم محركات الاقتصاد العالمي وهو النفط، مدة اتفاق «أوبك+» كانت حتى نهاية 2018 لكن أوبك مددت الاتفاق، لتصبح بعدها عملية التمديد روتينية كل عام حتى اليوم، ولتصبح الخلافات والتوترات بين السعودية وأميركا أكبر وأعمق وأكثر علانية، ولتتجاوز هذه الأخيرة في تهديداتها واستفزازتها للسعودية كل الأصول والأعراف الدولية.. لكن ذلك لم يدفع السعودية للتراجع، وخلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب تواترت الأحاديث حول معاقبة أوبك «قانون – نوبك – لترويض أوبك» لكنها ظلت مجرد أحاديث لم يسعَ ترامب لوضعها موضع التنفيذ، وهكذا حتى جاءت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
– في عهد إدارة بايدن زادت الأوضاع سوءاً، السعودية رفضت مراراً وتكراراً مطالبات واشنطن رفع الانتاج النفطي، واتخذت «أوبك+» المسار نفسه، مؤكدة أنه لن تكون هناك زيادة في الانتاج إلّا وفق المسار المعتمد، ووفق ما يتم التوافق عليه داخل المنظمة.
وعليه عاد الحديث عن قانون «نوبك/ لا احتكار النفط..لا لأوبك» حتى أنه وصل إلى عتبة الكونغرس (منتصف العام الماضي 2022) لكن «نوبك» لم يخرج للنور، واختفى كل حديث عنه، ربما لأن الاقتصاديين أجمعوا في ذلك الوقت على أن تأثير قانون نوبك سيكون صفرياً، وقد تأتي نتائجه على نحو معاكس، وربما يؤدي إلى قفزات كارثية في الأسعار داخل أميركا نفسها، أما خارجياً فهو يهدد بتداعيات خطيرة على المصالح والعلاقات الأميركية مع دول أوبك خاصة دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية.

في حال انضمت كلٌّ من أذربيجان وماليزيا وبروناي والمكسيك، فإنّ نسبة سيطرة أوبك على الصادرات ستصل إلى 60% بدلاً من 40% الحالية

الآن لنعد إلى مسألة الإعلان عن توسعة «أوبك+» التي جاءت مع الإعلان عن خفض طوعي جديد لإنتاج النفط.
يوم الأربعاء الماضي «5 تموز الجاري» أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص أن المنظمة تجري مشاورات مع أربع دول هي أذربيجان وماليزيا وبروناي والمكسيك للانضمام إلى المنظمة، مؤكداً أن المنظمة لا تبحث عن توسعة عددية بقدر ما تبحث عن دول لديها التوجه الاستراتيجي نفسه حول المحافظة على أسواق النفط واستقرارها.
الإعلان تزامن مع خفض طوعي جديد لإنتاج النفط أعلنته السعودية بمقدار مليون برميل يومياً حتى آب المقبل، مع إمكانية التمديد، فيما أعلنت روسيا تخفيض صادراتها بمقدار نصف مليون برميل يومياً.. ودعماً لهما خفضت الجزائر الإنتاج بمقدار 20 ألف برميل يومياً.

ماذا في توسعة «أوبك+»..؟
حتى الآن ليس هناك تعليق أميركي على نية التوسع، رغم أن «جبهة أوبك+» لا تقل خطورة على أميركا من جبهات أخرى، من إيران إلى روسيا إلى الصين حيث يبدو التركيز الأميركي على الأخيرة في الوقت الحالي أكبر، إذ ترى إدارة الرئيس بايدن أنه ما زال من الممكن تقليل أو احتواء الخسائر على جبهة الصين بعكس الجبهات الأخرى، خصوصاً السعودية التي تدفع باتجاه تقوية تحالفها النفطي مع روسيا المتمثل في «أوبك+» عبر تعزيزه بمنتجين آخرين لضمان التأثير على السوق العالمية وفي حال انضمت كلٌّ من أذربيجان وماليزيا وبروناي والمكسيك، فإنّ نسبة سيطرة أوبك على الصادرات ستصل إلى 60% بدلاً من 40% الحالية، ويبدو أن ما يهم في الوقت الحالي هو إجمالي كمية الإنتاج الذي تستطيع أوبك التحكم به، ووفق القاعدة الأهم «نملك ونحكم»، ونذكر هنا بأن السعودية هي أكبر منتج منفرد للنفط داخل أوبك بأكثر من 10 ملايين برميل في اليوم.
من شبه المؤكد أن الدول الأربع المذكورة آنفاً ستنضم إلى أوبك+ بصورة رسمية كاملة، لتبقى خارجها فقط كل من البحرين وغينيا الاستوائية وكازاخستان والسودان وجنوب السودان وعمان، ومن المقرر أن يتم بحث مسألة التوسع بصورة رسمية في اجتماع أوبك الشهر المقبل.
هنا يبرز سؤال: ما علاقة التوسع بتمديد تخفيض الإنتاج، وماذا يعني التزامن بينهما؟
لنعد إلى أواخر عام 2016 عندما تأسست «أوبك+»، «ليس كمنظمة موازية لأوبك ولكن كاتفاق يهدف أولاً لضبط سوق النفط وتحقيق التوازن والاستقرار لها، وثانياً للرد على ما تفرضه المنافسة الأميركية من تحديات ومخاطر»، كان يفترض أن ينتهي الاتفاق بانتهاء عام 2018 لكنه بدلاً من ذلك تحول إلى علاقة طويلة الأمد بين أوبك وروسيا من جهة، والسعودية وروسيا من جهة ثانية، ليسقط رهان الذين توقعوا حياة قصيرة لهذا التحالف النفطي الذي نجا في السنوات الماضية من اضطرابات كبيرة شهدها العالم، ولاسيما عندما انهار الطلب على النفط في بداية جائحة كورونا 2019/2020.. حتى حرب أوكرانيا ساهمت في تعزيز هذا التحالف بدل زعزعته، حيث شكل «أوبك+» جبهة مشتركة لرفض فتح مضخات البترول على نطاق واسع على الرغم من الضغوط الأميركية الهائلة في سبيل ذلك، وكان الرد يأتي دائماً بتمديد خفض الإنتاج، والذي بالمجمل صبّ في مصلحة روسيا، وقد وصل الغضب بأميركا من هذا التمديد أن اتهمت أوبك بـ«العمالة» لروسيا وهددت بمعاقبتها «قانون نوبك»..

لكن الأمر استمر، وكان أحدث تمديد لخفض الإنتاج ما تم إعلانه يوم الأربعاء الماضي، وبصورة طوعية، كما في المرة السابقة، وليس بخاف على أحد أن الاستمرار بخفض الانتاج ولو طوعياً، هو إصرار من قبل السعودية تحديداً على هذه السياسة حتى تؤتي ثمارها المأمولة، ومن دون أن تتأثر سلباً بها، وحسب الخبراء الاقتصاديين فإنّ الثمار المأمولة هي الوصول إلى ما يسمونه السعر التوازني/المستقر الذي تريده السعودية «والمنتجون عموماً» عند مستوى 80 دولاراً للبرميل الواحد، فيما لا يزال السعر في أعلى مستوى وصله مؤخراً عند مستوى 75 دولاراً، أما الولايات المتحدة فترى أن التوازن والاستقرار يعني سعراً يتراوح بين 50 إلى 60 دولاراً.

لا يمكن لأميركا إلّا أن تنظر بعين المخاوف إلى كلِّ ما يتعلق بقرارات أوبك ما بعد التحالف مع روسيا، ومن ضمن ذلك مسألتا التوسع والاستمرار في سياسة خفض الإنتاج.

ويرى هؤلاء أنّ ضم أعضاء جدد لـ«أوبك+» من شأنه تحقيق ذلك الهدف لأن الدول المستهدفة بالضم تعدّ من الأطراف المؤثرة في سوق العرض والطلب، هذا عدا عن ترسيخ مسألة الاستقلالية في قرارات أوبك بعيداً عن الهيمنة الأميركية.
أما في التصريحات الرسمية فإنّ استمرار السعودية في مسار الخفض الطوعي لا يأتي لمصلحتها فقط بل لمصلحة السوق بأكملها، والأمر نفسه ينطبق على مسألة الحاجة إلى ضم أعضاء جدد لـ«أوبك+» وحسب حديث وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان– على هامش منتدى أوبك الدولي الذي بدأ أعماله الأربعاء الماضي- فإن «أوبك+ تبحث عن وصفة صحيحة للتعامل مع الوضع الحالي للسوق، وأنها تعتمد الشفافية في ذلك.

بكل الأحوال، فإن أميركا لا يمكن أن تنظر إلّا بعين المخاوف إلى كل ما يتعلق بقرارات أوبك ما بعد التحالف مع روسيا، ومن ضمن ذلك مسألتا التوسع والتمديد، ولكن كيف يمكن لها كسر هذا التحالف النفطي؟
برأي كبار الخبراء والمحللين الاقتصاديين فإنه لا يتوافر لأميركا أي حل آني، ولا على المدى المنظور، وستبقى خياراتها محصورة ضمن رفع إنتاجها المحلي، أو الإفراج عن المزيد من المخزون الإستراتيجي، أو الاستمرار في سياسة الزيارات المكوكية لكبار مسؤولي الطاقة والاقتصاد والسياسة الخارجية في إدارة بايدن، للتفاوض مع نظرائهم في الدول النفطية الحليفة، خصوصاً في المنطقة، وعلى رأسها السعودية، وهذه السياسة ما زالت تثبت فشلها، أو أنه على أميركا الركون لمسألة أنها لم تعد اليوم أمام معادلة «أن تفوز مرة واحدة ونهائية، أو تخسر وتنكفئ بصورة نهائية»، أميركا اليوم في موقع احتواء الخسائر وعليها أن تبني سياساتها المقبلة على هذا الأساس.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
«صحة الحسكة» تتسلم شحنة جديدة من الأدوية "الزراعة" تعتمد أربعة أصناف جديدة من التفاح وتدعو للتشارك مع القطاع الخاص لإنتاج البذور رئاسة مجلس الوزراء توافق على مجموعة من توصيات اللجنة الاقتصادية المرتبطة بتقديم وتحسين واقع الخدمات في عدد من القطاعات بقيمة تجاوزت تريليون ليرة.. 28 مليون مطالبة مالية عبر منظومة الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية أميركا تعود إلى مسار «اليوم التالي» بمقايضة ابتزازية.. و«كنيست» الكيان يصوّت ضد الدولة الفلسطينية.. المنطقة مازالت نهباً لمستويات عالية المخاطر مع استمرار التصعيد شهادتا تقدير حصاد المركز الوطني للمتميزين في المسابقة العالمية للنمذجة الرياضية للفرق البطل عمر الشحادة يتوج بذهبية غرب آسيا للجودو في عمّان... وطموحه الذهب في آسيا مسؤول دولي: أكثر من ألف اعتداء إسرائيلي على المنشآت الصحية في قطاع غزة برسم وزارة التربية.. إلى متى ينتظر مدرسو خارج الملاك ليقبضوا ثمن ساعات تدريسهم.. وشهر ونصف الشهر فقط تفصلنا عن بدء عام دراسي جديد؟ إعلان نتائج انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع.. القاضي مراد: الانتخابات جرت بإشراف قضائي كامل بدءاً من الترشيح وحتى إعلان النتائج