العصر إلكتروني.. لكن الطبخة بدائية!
تشرين- هدى قدور:
يلفظ عصر الطباعة أنفاسه الأخيرة، بينما يبدو العصر الإلكتروني شاباً قوي البنية، يسّجل كل شيء لحسابه الشخصي، ورغم أنّ المدونات أصبحت مرضاً نفسياً يبدل من شخصيات البشر ومشاعرهم وطبيعة أهدافهم، لكن الأمر يبدو مستحيلاً على الإيقاف، فالعجلة دارت ولن يستطيع أحد إيقافها إلا بانعطافة كبرى ثانية تودي بالعصر الإلكتروني كما فعلت بعصر الطباعة.
العثور على بعض المخطوطات القديمة المنقوشة على الآجر أو المعادن، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين، يدفعنا للتساؤل عن طبيعة الآثار التي يمكن للأجيال المستقبلية أن تعثر عليها بعد مدة مماثلة من الزمن؟ فهذا التراكم الإلكتروني يمكن أن ينتهي بكبسة زر واحدة، إذا ما دخل فيروس متطور إلى الشبكة، أو إذا قرر صاحب السيرفرات الكبرى في العالم إنهاء هذا التاريخ ووضعه في المهملات بكل بساطة، فلا أحد يمتلك نسخة أساسية من أي شيء، وليس هناك أصول للنصوص ولا المعاملات الرسمية ولا حتى حسابات الأشخاص الذين يصبحون مجرد وهم بمجرد الاستيلاء على حساباتهم في مواقع السوشيال ميديا.
القضية كبيرة وخطرة، وللأسف فإنّ تلاشي التاريخ وتبدل فكرة الغاية من الفنون، هو النقطة المحورية التي يتم الاشتغال عليها في هذه المرحلة من قبل دوائر كبرى في العالم لا أحد يعلم ماهيتها ولا أبعادها، لكن الغايات التي تهدف إليها واضحة ويمكن التنبؤ بها بكل بساطة.
في مرحلة سابقة، نشأت مواقع معنية بالأرشفة، واستقبل البعض منها ملايين الصور الخاصة بالأشخاص من أجل الاحتفاظ بها، والرجوع إليها في أي لحظة يريدونها، لكن بنك الصور هذا تلاشى فجأة عندما أعلن الموقع توقفه ودمار “الداتا” لديه بسبب دخول نوع من الهاكر إلى الشبكة!. القضية نفسها ستتكرر في مواقع أخرى، وسيجد الأشخاص أنفسهم بلا تاريخ عندما تختفي كل الكتابات والأحداث التي عاشوها خلال السنوات الماضية، بسبب خلل كبير ربما يعصف بالشبكة وينال من المواقع التي كانت تقدم نفسها ضمانة للمعلومات والوثائق والصور وجميع مفردات التاريخ الأخرى.
سيجد الأشخاص أنفسهم غير موجودين عملياً على أرض الواقع، فلا دليل ملموساً يمكن أن تقبله المؤسسات الملتزمة بالروتين والقوانين، وبالتالي فإنّ البشرية ستصبح أمام مشكلة وثائق هائلة لم يسبق لها مثيل!.
المشكلة في كل هذا، أنّ هذا العصر الذي يبدو إلكترونياً في كل شيء، يظهر في جوانب كثيرة منه، بدائياً متوحشاً وموحشاً، حتى القبائل المعزولة لم تنجُ من هذا الوباء منذ اللحظة التي تخلت فيها عن الملموس والواقعي، وتبعت الأيقونات ومحركات البحث وصور الشاشات التي يمكن أن تنطفئ في أي لحظة.