ملف «تشرين».. هكذا تحولت النعمة إلى نقمة.. تلال من «السيلاج» تترك وقوداً للحرائق وتحرم منها قطعان الماشية !

تشرين – غيداء حسن:
عشرات الحرائق تحدث سنوياً، وتستنزف الكثير من الإمكانات المادية وجهود عناصر الإطفاء. بعض هذه الحرائق، إن لم يكن أغلبها، يحصل بسبب بقايا المحاصيل في الأراضي الزراعية أو بسبب الأعشاب الجافة التي تنمو في المناطق الحراجية والغابات أو قريباً من أماكن السكن والمنشآت الصناعية وغير ذلك.
هذه الأعشاب وبقايا المحاصيل قد توفر مكاناً لرعي الثروة الحيوانية في بعض المناطق عندما تكون خضراء، لكن ربما يمكن الاستفادة منها في تصنيع الأعلاف، ولاسيما أن نقصاً كبيراً تعانيه تلك الأخيرة ونضطر لاستيرادها من الخارج وبالقطع الأجنبي، بدل أن تترك لتجف وتشكل مصدراً للحرائق يتهدد المناطق المجاورة، وخاصة خلال فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، فكيف يمكن الاستفادة من تلك الأعشاب وبقايا المحاصيل؟

صناعة السيلاج
يؤكد مدير المؤسسة العامة للأعلاف عبد الكريم شباط أن لدينا كميات كبيرة جداً من بقايا محاصيل الذرة يمكن الاستفادة منها، وإذا استخدمت من القطاع الخاص، وتم كبسها عن طريق آلات بسيطة، وإضافة بعض المواد وتخميرها، فإنها تحفظ لسنوات كما يمكن استخدام بقايا المحاصيل، وخاصة التبن، وكل المحاصيل التي تنمو في مناطق محمية أو فيها كميات كبيرة من الأمطار بصناعة مادة السيلاج،

شباط: يحتاج إلى قطاع خاص وعدد كبير من العاملين

بل حتى في مراحل متطورة أكثر من السيلاج التي هي الأعلاف الخضراء المصنّعة، وهذا الموضوع منتشر في مصر بشكل كبير، ويسهم في حلّ أزمة كبيرة جداً، لكنه يحتاج إلى قطاع خاص وعدد كبير من العاملين، كما يحتاج إلى آلات كبس بسيطة جداً، تخمّر عن طريق تشكيل حفر بيتونية، تتم تغطيتها ” تخمير لا هوائي” وتضاف إليها بعض المواد الكيميائية وتخمّر لمدة 45 يوماً، بحيث تنضج ضمن طريقة علمية مدروسة، وبعد التخمير تكبس بآلات عادية، تغلّف بشكل محكم وتخزن إلى حين الحاجة، ويمكن تغليفها بأوزان مختلفة، حسب حاجة القطيع وعدده لدى المربّي، لأنه بمجرد فتحها يجب استخدامها خلال 48 ساعة، وهي مفيدة جداً وتوفّر على خزينة الدولة مبالغ كبيرة جداً من القطع الأجنبي، وهناك جزء من القطاع الخاص عمل في هذا المجال، فهي تشغّل عدداً كبيراً من الأيدي العاملة وتشكّل مصدر رزق جيداً.

اقتصادي بشرط
خبير الثروة الحيوانية عبد الرحمن قرنقلة يصنّف الأعشاب لأنواع؛ منها مراعٍ طبيعية ترعى فيها الأغنام وقطعان الماعز، وربما الأبقار أيضاً في بعض المناطق الجبلية، مثل (الغاب وجبال الساحل)، وهناك أعشاب تكون على أطراف الطرقات أو في الغابات أو في مناطق ممنوع الرعي فيها، وهذه تترك حتى تجفّ، وتكون فعلاً واحدة من مسبّبات أو عوامل اندلاع الحرائق أحياناً.
جمع هذه الأعشاب وتصنيعها “سيلاج”، حسب ما يراه قرنفلة، ليس عملاً اقتصادياً إلّا في حالة واحدة إذا كانت هذه الأعشاب من أنواع ذات قيم غذائية مرتفعة، وطولها يسمح بحصادها وجمعها آلياً ومنتشرة في مساحات كبيرة، لتشكّل كميات يمكن تصنيع السيلاج منها. وأفضل طريقة للاستفادة منها رعيها المباشر من الحيوانات.
تحد من الحرائق
ويشير قرنفلة إلى وجود ضوابط كثيرة يمكن أن تمارس حتى ضمن الغابات، يعني أن موضوع إدخال الحيوانات ضمن الغابات لرعي هذه الأعشاب من الأمور المحبّذة، لأنها تقضي على أحد مسبّبات الحرائق، ولدينا قوانين تمنع دخول قطعان الأغنام والماعز إلى مواقع الغابات، نظراً لما يمكن أن تسبّبه بعض قطعان الماعز من أضرار لأشجار الغابة، وهذا الموضوع يجب إعادة النظر فيه، لأن في كل غابات العالم ينظم دخول قطعان الأغنام والماعز إلى مساحات محددة من الغابات، تقوم برعي الأعشاب والنباتات التي تنمو عقب مواسم هطل الأمطار. في الوقت ذاته تلعب الأغنام والماعز أدواراً متعددة ضمن الغابة، إذ ترعى هذه الموارد العلفية المهدورة التي إذا لم يتم رعيها فتتحول قيمتها الاقتصادية إلى صفر، وفي الوقت نفسه تقوم بطرح مخلفاتها على أرض الغابة.

قرنفلة: يجب أن تكون الأعشاب من أنواع ذات قيم غذائية مرتفعة

وبالتالي تخصّب التربة الزراعية بتلك المخلفات، فضلاّ عن أن حركة أقدام أو حوافر تلك الحيوانات من أغنام وماعز تقوم بتحسين ميكانيكي لطبيعة التربة في الغابة التي هي شبه ساكنة نتيجة عدم تحريكها منذ أمد طويل، فدخول الحيوانات من أغنام وماعز يحسّن طبيعة التربة الفيزيائية، ويخصّبها ويحسّن من طبيعتها الكيميائية وينفع الغابة، وهذا الموضوع بحاجة إلى إعادة دراسة من أجهزة وزارة الزراعة، بحيث تحدَّد مساحات يسمح فيها برعي الأغنام والماعز لفترات زمنية محددة، وتحت رقابة أجهزة الوزارة، بحيث تدخل القطعان وتخرج ضمن دورات رعوية، لكي تنقذ الغابة من هذه النباتات، وتحول دون تحوّلها إلى أعشاب جافة تسبّب الحرائق، وفي الوقت نفسه تستفيد منها قطعان الحيوانات وتفيد الغابة بطبيعة الحال.

طبعاً في الحدائق العامة– يضيف قرنفلة- وبعض المساحات التي يمكن حصاد، أو جمع الأعشاب منها، حالياً كثير من مربي الأبقار والأغنام يستفيدون منها، أي الحدائق العامة الكبيرة، عندما يتم قطع المسطحات الخضراء أو نباتات المسطحات الخضراء فيها ونلاحظ أن كثيراً من المربين يعبئونها بأكياس وينقلونها إلى حيواناتهم رغم أن هذا الموضوع أحياناً يحمل بعض المحاذير، لأنه يمكن أن توجد ضمن هذه الأعشاب قطع زجاج أو حديد يمكن أن تبتلعها الأبقار أثناء التهامها للأعشاب وتسبب مشكلات صحية. لذلك يجب ضمان سلامة المسطحات الخضراء من وجود أي من هذه المواد التي يمكن أن تضر الثروة الحيوانية.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. استثمار” مغرٍ” اقتصادياً وغذائياً.. القطاعان العام والخاص ينتظران المبادرة.. والتكاليف تضاعفت مرات عدّة

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار