بعد أن أصبحت أسعارها ثرواتٍ.. كيف يكون التأمين إلزامياً على السيارات والتأمين على قطعان الماشية معدوم؟!
تشرين – زهور كمالي:
جمع أبو علي كل ما ادخره من مال وباع قطعة أرض كان قد ورثها، واشترى بقرة بعد أن توافرت كل مقومات مشروع تربيتها من حظيرة وأيدٍ عاملة مؤلفة من أفراد أسرته الخمسة آملاً أن تساعده في تلبية احتياجات الأولاد وتكاليف الدراسة… ولكن بعد مضي أشهر قليلة أصيبت البقرة بمرض الكتيل الجلدي ما تسبب بنفوقها وكانت الخسارة كبيرة…
كيف يتدبر المربي أبو علي شؤونه بعد أن فشل مشروعه، ومن يعوضه خسارة تقدر بملايين الليرات؟!
ضرورة لاستمرار المربي
في عام 2019 انتشر مرض داء الكتيل العقدي الجلدي بين الأبقار في قرى منطقة الغاب وسجلت الإحصاءات نفوق عشرات الأبقار بين بكاكير وحوامل ومواليد…حيث تكبد المربون خسائر فادحة بعد أن دفعوا ثمن أدوية – أطباء – معالجة… وكانت فاجعة بالنسبة لهم حتى وصفها البعض حينذاك قائلاً : بيوتنا تحولت إلى مجالس عزاء!
رئيس اتحاد فلاحي حماة : تم تشكيل لجنة لدراسة إنشاء صندوق للتأمين على الثروة الحيوانية
أحد المربين من بلدة جورين في الغاب محمود عديرة شبّه موت البقرة بالكارثة لأنها مصدر الدخل الأساس بالنسبة لأي مربٍّ في وقت لا يمكن شراء بديل عنها بعد أن وصل ثمنها إلى 15- 20 مليون ليرة، ويتابع القول: إنّ التأمين على الأبقار أكثر ما نحتاج إليه للاستمرار في التربية ويشجع الكثير على اقتنائها وزيادة عددها، من جهته المربي مرشد صقر كشف عن مشكلات تعترض المربي أهمها غلاء الأعلاف وغياب معامل لتصنيع منتجات الحليب ما يجعل التجار يتحكمون بسعره وفي أحسن الأحوال يباع كغ الحليب بـ 2500 ليرة بينما يصل للمستهلك بـ 3500 ناهيك بما تتعرض له تلك المادة من غش وتلاعب.. بينما كيس العلف وزن 50 كغ يباع في السوق بسعر 185 ألف ليرة.
التأمين ينقذ القطعان
يرى الخبير التنموي الزراعي أكرم العفيف في حديث لـ” تشرين”، أن أكثر المخاطر التي يتعرض لها المربي هو نفوق الأبقار ولاسيما بعد أن وصل سعر البقرة إلى 20 مليون ليرة، حيث تتعرض الأبقار إلى مخاطر وأمراض ، تسمم غذائي، جائحة… ما يؤدي إلى امتناع المربي عن المغامرة باقتنائها، كما أن بعض المربين خرج من العملية الإنتاجية بسبب نفوق الأبقار وعدم قدرتهم على الشراء مرة ثانية، ويمكن حلّ هذه المخاطر بالتأمين على الثروة الحيوانية والأهم هو الأبقار نظراً لتكاليفها العالية وتساءل الخبير: كيف يكون التأمين إلزامياً على السيارات ولا يوجد تأمين على الأبقار ومثلها المحاصيل الزراعية؟! .
وعن آلية التأمين على الأبقار كمثال للثروة الحيوانية يرى عفيف أنه لا بدّ من توافر إحصائية لعدد الأبقار وحالات النفوق إضافة إلى الأبقار التي تم بيعها للذبح
-حسب تقرير الطبيب البيطري-، وهذه يجب أن تحسب من الأبقار النافقة أثناء عملية الإحصاء.
وأشار الخبير إلى أن التأمين يجب أن يتمتع بشفافية وبكثير من الدقة مع وجود محفزات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج المؤهلة وتسجيل الأعداد بدقة بحيث يتم التأكد من أن البقرة هي ذاتها التي ماتت، إضافة إلى أن نظام التأمين على الأبقار يجب أن يتيح للمؤمَن عليه الرعاية البيطرية والدواء وأجور الطبيب.. كل ذلك سيخفف من نفوق الأبقار، وفي حال كان التأمين واسعاً وعلى مستوى كل المناطق فسينقذ آلاف القطعان من النفوق والتي تقدر قيمتها بالمليارات، لذلك فمهما ارتفعت تكاليف التأمين تبقى عملية رابحة لجميع الجهات.
إثبات النفوق
رئيس اتحاد فلاحي حماة حافظ سالم وفي تصريح لـ” تشرين” أكد أنه تم تشكيل لجنة منذ ثلاثة أشهر لإنشاء صندوق للتأمين على الثروة الحيوانية وتم تعميم الفكرة على المربين لكنها لم تلقَ تجاوباً أو إقبالاً وكشف أن شروط وأسباب إثبات نفوق أي نوع من المواشي قاسية منها مثلاً: توثيق الوفاة – هل النفوق بسبب تقصير المربي وإهماله – مقصودة – تشريح الجثة…
وبيّن سالم أنه لا يمكن إلزام المربين بالاشتراك بصندوق التأمين، وقريباً ستتم مناقشة هذا الموضوع مع أعضاء المكتب التنفيذي لوضع شروط مناسبة ووضع حلول للمعوقات التي تعترض اشتراك المربين في صندوق التأمين.
استبدال النوع
وحول الوضع الصحي للثروة الحيوانية في منطقة الغاب أوضح مدير الثروة الحيوانية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب الدكتور مصطفى عليوي في تصريح لـ” تشرين” أن الوضع الصحي لقطعان الثروة الحيوانية في مجال عمل الهيئة جيد، ولم يلاحظ أي انتشار للأمراض المعدية والسارية، و قد بلغت أعداد الثروة الحيوانية حسب آخر جولة إحصائية: الأبقار ٢٩٠٢٣ رأساً، الأغنام ٢٥٦٨٥٥ رأساً، الماعز ٩٧٤٨٧ رأساً، الجاموس ٦١٠رؤوس.
وقد يتزايد العدد أو يتناقص حسب إقبال المربين وتجاربهم فبعض المربين يلجأ لبيع الأبقار ويشترى أغناماً وماعزاً والبعض يفعل العكس بينما لوحظ تراجع بأعداد الجاموس نتيجة لجوء المربين لبيعه بسبب تردي الوضع الاقتصادي لهم.
عفيف: بعض المربين خرج من العملية الإنتاجية بسبب نفوق الأبقار والماشية
وأكد عليوي أن المديرية تقوم بحملات تحصين وقائية حسب الخطة المقررة من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي
حيث نقوم بحملتين شاملتين لتحصين قطيع الأبقار والجاموس ضد أمراض الحمى القلاعية و التهاب الجلد العقدي وحملة لتحصين البكاكير ضد مرض البروسيلا، وكذلك تحصين الأغنام والماعز ضد أمراض الأنتروتوكسيميا والحمى القلاعية والباستريلا وجدري الأغنام والماعز والجمرة الخبيثة… كما يتم تقديم خدمات التلقيح الاصطناعي والرعاية التناسلية والرقابة على الأعلاف الموجودة والأدوية البيطرية وأخذ عينات للتحليل للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية السورية.
ارتفاع تكاليف الإنتاج
ولفت عليوي إلى أنه مع ارتفاع تكاليف الإنتاج لكل السلع والمنتجات النباتية والحيوانية ارتفعت أسعار المصنوعات والمنتوجات، كما أن غلاء الأعلاف بشكل كبير، حيث يتراوح سعر كغ العلف بين ٣٥٠٠- ٤٠٠٠ ليرة، وأجور العمالة وغلاء الأدوية البيطرية أدت إلى ارتفاع أسعار الحليب، لافتاً إلى أن توافر المراعي هذا العام ساعد على استقرار أسعار الحليب خلال الفترة الحالية.
و لتطوير وتحسين واقع الثروة الحيوانية يرى عليوي أنه لا بدّ من زيادة كمية المقنن العلفي للرأس الواحد وفتح دورات علفية جديدة مع زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل العلفية، وذلك حسب الخطط الواردة من الوزارة.
وحث المربين على تأمين البدائل العلفية والاستفادة من بقايا المحاصيل وأهمها مادة التبن إضافة إلى زيادة وحدات التصنيع وإيجاد سوق لتصريف المنتجات ومنع تهريب المواشي ولاسيما الأغنام منها.
وأوضح مدير الثروة الحيوانية أن إنشاء صندوق للتأمين على المواشي لتعويض المربين في حال حدوث نفوق أصبح ضرورة ولاسيما بعد ارتفاع أسعار المواشي وتكاليف التربية.
أخيراً نقول: يبقى التأمين على المواشي وأهمها الأبقار مطلباً للعاملين في هذا المجال على أن تكون شروط الاشتراك في الصندوق مناسبة وغير تعجيزية ليتسنى لكل مربٍّ الاشتراك فيه، وحبذا لو كان التأمين إلزامياً كما هو التأمين على السيارات، ولكي ينجح المشروع ويحقق الغاية منه لا بدّ من عقد ندوات توعوية للمربين ينظمها مختصون بإشراف وزارة الزراعة للتعريف بأهمية التأمين على المواشي وتشجيعهم للاشتراك في الصندوق وزيادة عدد المواشي.