فقط لأرتاح!!

“خلال سني العمر بين العشرين والأربعين عاماً؛ كنت أحلم أن أركب سيارة، لكن ما منع تحقيق ذلك الحلم هو عدم توافر ثمن السيارة، وتروضت على ركوب السرفيس..” ذلك ما أباح لي به مؤخراً أحد الزملاء الذي بلغ “عتياً” في مهنة الصحافة؛ عن سبب عدم اقتنائه سيارة إلى اليوم..!
جواب ذلك الصديق؛ ينسحب على أشياء وأمور عديدة في حياتنا، فقدت دهشتها نتيجة “خير” الوصول متأخراً.. “أن تصل متأخراً، خيرٌ لك من ألّا تصل” مقولة طالما أفقد التأخير الكامن فيها متعة اللهفة بالوصول المناسب، لأنّ الوصول متأخراً؛ يُشبه تماماً عدم الوصول في كامل خيبته، وأيضاً ثمة الكثير ممن وصل باكراً، لكن وكأنه لم يصل، ذلك أنه في كلا الحالين سيفقد لذة ودهشة الوصول في الوقت المناسب.
في إحدى السنوات.. نحو منتصف القرن الماضي، عندما كان معظم أهالي قريتنا في ريف صافيتا؛ يتجمعون عند المساء حول جهاز الراديو ذي الحقيبة الجلدية الذي يملكه والدي-كما حدثني- ليصيخوا السمع للتمثيلية الإذاعية “عصام وعليا” أو حكاية الشاعر الشعبي “عبد الله الفاضل” ذلك البدوي المعزول مع كلبه الوفي “شير” في البادية السورية المترامية.
في تلك الأثناء؛ كان يُفاجئهم إلى حدّ الدهشة، وعلى تردد قريب من تردد الإذاعة السورية، لكن بمدى أقصر وعلى فتراتٍ قصيرة يُشوّش خلالها على بث إذاعة دمشق ليُلفت الانتباه إليه. تردد إذاعة قرية مُجاورة، إلى الشمال الغربي لمدينة صافيتا “هنا الرويسة” التي كانت من اختراع شخص لفت إليه الانتباه “فقط” هو المخترع السوري سليمان يونس، المعروف بسليمان الرويسي.. لكن بقاء الرجل في دائرة لفت الانتباه فقط، دون الاهتمام بما أنجزه في ذلك الزمن؛ قتل لديه عنصر الدهشة، بل ربما أصيب بالمرارة والخيبة كما حدثني عندما فتشت عنه ذات حين في قريته سابقة الذكر لاكتشف إنّ لديه عشرات الاختراعات التي لا تقلُّ شأناً عن اختراع الإذاعة حينها، ورغم وصوله لإنشاء إذاعة جديدة وخاصة، باختراعٍ وطني صرف، وكما أسرّ لي فقد جرى تحذيره من معاودة بثه الإذاعي سابق الذكر تحت طائلة المسؤولية.
ومع انتهاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حتى تمّ الترخيص للإذاعات الخاصة في سورية، حينها كان العالم قد دخل في مرحلة ثورة التواصل الاجتماعي، وأظن لولا المحنة السورية بكل ما ترتب عليها من أزمات التي أعطت فعالية ما لهذه الإذاعات، ولولا ذلك أي متعة أو دهشة يُمكن أن تُقدمها عشرون محطة إذاعة سورية رغم المهنية العالية -حيث كانت الناجي الوحيد من ترهل الإعلام السوري- لكن مأساتها أنها وصلت متأخرة مئة سنة على الأقل، والإذاعات؛ هو مثال لمئات الواصلين متأخرين في سورية الحبيبة.!!
يذكر الكاتب الأمريكي إرنست همينجواي: “منذ الصغر وأنا أصل إلى ما أريد، لكني أصل وأنا مُنهك، بالقدر الذي لا يجعلني أفرح، وكأني أريد أن أصل لأستريح، فقط لأستريح..”
هامش:
نقّلْ فؤادَكَ
حيثُ شئتَ من تفاحٍ ورمانِ؛
ما الحبُّ إلّا للموسمِ الآتي..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار