«ادفع ما بدفع».. كوميديا ساخرةٌ تكسر«تابوهات» الحدود والضغوط الدوليّة و«تتَأردَن» على مسرح الحمراء السّوري
تشرين – لمى بدران:
لعبة ذكيّة تُجرِّد خشبة المسرح من أسرارها، وتجعلها ترتدي ثوب البريختيّة الشفّاف أمام جمهورها لتكون أسلوباً مُبتَكراً في عرض النّص العالمي الإيطالي «داريو فو» الذي عُرِض عشرات المرّات كمسرحية على خشبات مسارح العالم.. وهذه المرة قُدِّم مدّة يومين متتاليين على خشبة المسرح القومي – مسرح الحمراء في دمشق من قِبل فريق (شمس) الأردني وبإخراج جديد للأردني عبد السلام قبيلات الذي عدّها تجربة لا تخلو من القلق والتوتّر الشديد بعد محاولات البحث عن طريقة تعكس الظروف والقضايا والشخصيات التي تعبّر عن الواقع الأردني الذي بدوره متشابك ومتشابه مع الواقع العربي.
نص هذه المسرحية غير موجود في المكتبات العربية، لذلك أعطى الفنان والمخرج السوري أيمن زيدان لمخرج هذا العمل الجديد عبد السلام قبيلات نصّه وإعداده بالعربية، ليعيد خلقه بنص وأسلوب جديدين، لأن زيدان سبق أن أخرجه منذ سنوات بثلاثة عروض وكان بعنوان «سوبر ماركت» وعُرض على المسرح نفسه بثلاث نسخ كما ذكرنا، والعمل هنا يأتي استكمالاً للتعاون السوري/الأردني الذي حصل منذ عام حين عرضت في عمّان على مسرح الشمس وبيوم المسرح العالمي تجربة سورية نوعيّة بعنوان «تجربة أداء_كاستينغ» من تأليف وإخراج سامر محمد اسماعيل، والذي عدّها جهمور الأردن قد كسرت المزيد من العزلة الثقافية على سورية.
عاش مخرج هذه التجربة الأردنية على المسرح السوري في حالة لا تخلو من القلق الشديد والتوتر والحرص على صنع روابط مؤثرة في نفوس وعقول الجمهور السوري للاقتراب منه أكثر بشكل غير مرئي، كما عبّر أعضاء الفريق عن سعادتهم بقدومهم إلى سورية من أجل فتح الأبواب عن طريق الفن والثقافة لصنع انطلاقة تحمل خططاً لأعمال مشتركة تعرض بشكل متواصل في سورية والأردن.
ولأن هناك نصاً واحداً، لكن قد يحتمل مئة قراءة، ولأن الفن ليس ماذا نقول بل كيف نقول، قرأ المخرج سامر محمد اسماعيل ماذا يوجد في ثنايا هذا العرض من خلال خبرته ونظرته النقدية، إذ وجد أن فيه جرأتين، الأولى جرأة اجتماعية لديها علاقة بقول الأشياء بحذافيرها من دون مواربات أو مكياجات أو رتوش والثانية جرأة فنيّة، إذ تم اتّباع أسلوب بريختي وصفه بـ«مسرح بلا أسرار» من خلال ترك مسافة بين الممثل ذاته والدّور والجمهور ليس من أجل أن نتعاطف مع أدوارهم فقط، بل أن نفكّر معهم، كما أشاد بالتزام الممثلين بتحقيق إيقاع لاهث حارمنضبط رغم بعض الارتجالات التي بدرت منهم، والتي جاءت لمصلحة العرض.
وتوسيع دائرة التعاون بين بلدين لا يُعنى شعباهما بالضغوط الخارجية بل بأن يكونا معاً لكسر الحواجز في هذا المجال كي تعود الأمور إلى مستقرّها، أي إلى حالتها الطبيعية، هو الهدف الذي يسعى إليه الطرفان السوري والأردني، وآمال نحو مزيد من السطوع والإنجازات الكبيرة.