وصفة مالية ونقدية قد تنفع في مرحلة إعادة الإعمار والتنمية.. مجلس تنسيقي للسياستين المالية والنقدية ورؤية إنقاذية متكاملة
تشرين -غيداء حسن:
مرحلة جديدة ، نلجّ أبوابها، عنوانها الأبرز إعادة الإعمار والتنمية ، ومشروعات كثيرة نحتاجها اليوم ونعوّل عليها للنهوض بالواقع, ولكن هل لدينا الإمكانية والبيئة والأرضية المهيأة المشجّعة للاستثمار في ظل الواقع الحالي ، وكيف يمكن أن تسهم السياستان المالية
والنقدية في إعادة الإعمار من وجهة نظر أهل الاختصاص؟
إذا استخدمنا سياسة مالية محكمة وناجحة نستطيع اختصار زمن التنمية وإعادة الإعمار
أهداف السياسة المالية
من أهداف السياسة المالية زيادة الإنتاج وتشجيع الاستثمار الصناعي ، وذلك من خلال إّما الإعفاءات أو تشجيع المستثمرين. و- حسب الدكتور علي كنعان-كلية الاقتصاد في جامعة دمشق فإن دولاً كثيرة قبلنا شجعت بالإعفاءات الضريبية وحصلت على نتائج رائعة جداً ، والتاريخ مليء بالأمثلة ، كدول جنوب شرق آسيا ماليزيا، الأرجنتين والبرازيل وغيرها. ويشير إلى أن السياسة المالية تشجع التصدير من خلال تقديم مزايا للمصدّرين، كما أنها تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، لأنه من خلال العدالة الاجتماعية تكون إعادة توزيع للدخول، وبالتالي تسهم السياسة المالية بأن تأخذ ضرائب من الغني لتردّها على الفقير، ما يحرّك النشاط الاقتصادي، لذلك في الغرب اليوم زادوا الدخول لدرجة أصبح هذا الدخل قادراً على دفع ضريبة وتحمّل ضريبة القيمة المضافة، فكلما تم توزيع الدخل أكثر تتحقق العدالة أكثر، و هذا يعود بالفائدة على الدولة.
عملت بالتكتيك
دخلنا الأزمة، وأفرزت الكثير من السلبيات، ولم تستطع الجهات المعنية وضع خطط و إستراتيجية– حسب د. كنعان-وإنما عملت بالتكتيك، فذهبت الاحتياطات وصدّرنا قرارات منع وحظر.. إلخ ، ازداد التهريب ، فحصلت فوضى بالأسعار وتجنّدت كل إمكانات الاقتصاد السوري لحماية سعر الصرف، ولا يمكن حمايته، فهو يحتاج إلى اقتصاد يدعمه، لا إلى قرارات إدارية.
تحرير الاستيراد والتصدير والاستثمار والأجور، وإلغاء الإعانات
مناخ الاستثمار مقيّد
ويقترح د. كنعان تحرير الاقتصاد وجعله متاحاً للجميع بدل أن يكون لقلة قليلة فقط، لذلك نطالب كاقتصاديين بتحرير الاستيراد و التصدير، وتحرير الاستثمار، وهذا الأخير بيئته غير متوفرة ومناخه مقيّد، وإلغاء الإعانات وتحرير الأجور لإيجاد مستهلك لصناعاتنا، ما يحرّك هذه الصناعات.
ترميم ذاتي
كما يقترح تصدير سندات، فإذا حررنا الاقتصاد اليوم يخرج إلينا “من تحت الأرض الموجودة لدينا” ما لا يقل عن 80 مليار دولار، تبدأ بالبحث عن فرص عمل، ولدى السوريين في الخارج 120 مليار دولار أيضاً تبحث عن فرص عمل، وأفضل فرص عمل واستثمار حالياً هي بالاقتصاد السوري، فيعود الاقتصاد لترميم نفسه من مدخراته وإمكاناته، وعندها تطرح الحكومة السندات (صكوك إسلامية– سندات خزينة بـ1% و5% مضمونة القيمة، متزايدة القيمة)، وبذلك نستطيع بفترة أقل مما لو تمت مساعدتنا، لأن المساعدات التي ستأتي من الخارج إذا كانت من دول لا ترتّب علينا شيئاً، لكن إذا فرض علينا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قروضاً فستغرق الاقتصاد السوري بالتزامات إلى ما لا يقل عن 30 إلى 40 سنة.
وضع خطة إستراتيجية لتحسين عدالة توزيع الدخل القومي لصالح العاملين بأجر
لافتاً إلى أن السياسة المالية هي دائماً البوصلة، ولديها الحلول، فإذا استخدمنا سياسة مالية محكمة وناجحة نستطيع اختصار زمن التنمية و إعادة الإعمار وتحقيق الأهداف التي نصبو إليها، ويجب أن نكون محكومين بالأمل لكيلا يحصل التشاؤم وتثبّط العزائم.
في السياسة النقدية
ولكي تسهم السياسة النقدية في إعادة الإعمار، يورد الدكتور أكرم الحوراني– الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عدة مقترحات، منها إنشاء مجلس تنسيقي للسياستين المالية والنقدية، يكون سابقاً لعمل اللجنة الاقتصادية، ويلغي بالمطلق إلزام مصرف سورية المركزي بتمويل عجز الموازنة، والبحث عن بدائل أخرى غير تضخمية، وضع خطة إستراتيجية لتحسين عدالة توزيع الدخل القومي لصالح العاملين بأجر، رفع سعر الفائدة أعلى من التضخم وتحمّل خزينة الدولة لنسبة من الفائدة بالنسبة للمنتجين في الصناعة والزراعة والغذاء والدواء، وإصدار شهادة إيداع حكومية باسم أصدقاء الشعب السوري من قبل مصرف سورية المركزي أو وزارة المالية بالعملة المحلية أو الأجنبية، وبمعدل فائدة مجزٍ ” أعلى من التضخم ” يطرح على المواطنين في الداخل والمغتربين في الخارج وفي الدول الصديقة.
ودائع لأجل وبعائد مجزٍ
كما يقترح أيضاً تحويل الاحتياطات الفائضة للمصارف إلى ودائع لأجل وبعائد مجزٍ، واستخدامها لتمويل عجز الموازنة للحدّ من زيادة عرض الليرة، وإصدار صكوك مالية إسلامية بعائد مجزٍ، وإعداد خطة تمويل جوهرية تحفّز الإنتاج وتزيد العرض الكلي الغذائي والدوائي أولاً ومستلزمات الإعمار ثانياً، مع تحّمل الموازنة جزءاً من الفائدة، وأن يكون التصدير للمواد الفائضة عن حاجة السوق المحلية، والدعم الحقيقي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بتسهيل التراخيص من دون ضمانات، أو بضمان المشروع ، وتوفيرالتمويل مع تحمّل نسبة من الفائدة، السماح بتمويل الواردات الأساسية من طاقة ومواد غذائية ومدخلات إنتاج من حساب المستورد في الخارج بدل التهريب، المكافحة الجدّية للتهريب على الحدود، وعدم لحاق الضابطة الجمركية للمواد والبحث في الأسواق والدكاكين، ففي العالم كله عملها على الحدود، إلغاء التمويل عبر المنصة واستبداله بالجهاز المصرفي، منع مؤقت لاستيراد أي سلعة كمالية أو لها بديل محلي للحفاظ على القطع ، إعادة النظر بأملاك الدولة الموظّفة من خلال لحظ معدّل التضخم ، منح صلاحيات كافية لمجلس النقد والتسليف وتحديث خبرائه، والتأكيد على استقلاله وامتلاكه الهامش والمرونة الكافية لتنفيذ واستخدام الأدوات التي يمتلكها، وألّا يربط بضرورة تمويل عجز الموازنة، وبثّ مشاعر الثقة وحالة الأمان لدى قطاع الأعمال، والحدّ من الممارسات الاستفزازية من قبل بعض العاملين في المالية والجمارك والتموين والصحة والبلدية، وضرورة تشميل الضابطة العدلية بعضو من غرف التجارة أو الصناعة أو الحرفيين أو مختار الحي، للتخلّص من حالة “السلبطة” ، العمل على تفكيك بنية الاحتكار، وأخيراً إيجاد بيئة تنافسية حقيقية تضمن تكافؤ الفرص وقطع الطريق على الفاسدين وأثرياء المرحلة.