الحياة الاجتماعية في مملكة الحيرة
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
إنّ ما بلغته مملكة الحيرة في العراق من حياة اجتماعية، وترابط أسري بين سكانها يدلل على عمق الأصالة وتلاحم النسيج الاجتماعي، إلى جانب أهمية الحيرة في الجوانب العسكرية والسياسية والفكرية والاقتصادية والثقافية، وصمود الحيرة في وجه القوتين الكبيرتين (البيزنطية والفارسية) لهو ما يبهر العقل في تلك الحقبة الزمنية، فالمناذرة في عمق أرضهم وتاريخهم قد حققوا إنجازات عظيمة باهرة، في الحفاظ على الهوية العربية في تخوم حاضرة العراق والشام، فكان تراثهم عربياً خالصاً، ما حدا بالملك (النعمان بن المنذر) إلى بناء قصرين عظيمين هما قصر الخورنق وقصر السدير، فكان الأول مكاناً للقضاة وأمراء القوم وأعمدة الشعب الحيري، وكذلك فيه قاعات خاصة لإلقاء المحاضرات الدينية والشرعية والأدبية والقانونية، إلى جانب أماكن للحفلات التي كان يقيمها ملوك المناذرة في طقوسهم وأعيادهم. أما قصر السدير فهو قصر شتوي يحتوي على أجمل الهدايا التي تصل إلى مملكة الحيرة، وقد برزت مدارس الحيرة الفلسفية والتاريخية والتدريب العسكري على تخوم البيزنطيين والفرس، ولا ننسى ما قدمته الحيرة من علوم وصناعات وتوهج أدبي لأن ملوك الحيرة كانوا جميعهم يحبون المنطق واللغة والشعر.
استطاع الفن الموسيقي أن يأخذ دوره داخل الحيرة وخارجها، وأن يأخذ دوره العالمي، فهناك دراسات تشير إلى أن أول مدرسة للموسيقا كانت على أرض الحيرة، التي اكتشف من باطن أرضها أيضاً أن هناك مدرسة فيها لتدريس اللغة السريانية بإشراف علماء ولغويين كبار، إضافة إلى اكتشاف مخطط كامل للإرواء بوساطة أنهار، تنبع من نهر الفرات ومن بحر النجف الذي جفّ في الوقت الحاضر نتيجة الجفاف والتغيرات المناخية.
أما المرأة الحيرية فقد لعبت دوراً كبيراً في بناء المجتمع، وتربية الجيل بالوعظ والإرشاد والتربية الأساسية.