«اقتصاد الظل النظيف» صديق المستهلك.. وأصحابه مدانون وملاحقون لأنهم من دون ترخيص

تشرين – ماجد مخيبر:

لعلّه من اللافت أن يتحدّث «أهل قطاع الأعمال» عن ميزات اقتصاد الظلّ، في زمن مساعي الحكومة لمأسسة القطاع الأهلي ونقله إلى مساحات الشفافية والإفصاح.
في الأمس، كان ما يشبه الدفاع عن دور اقتصاد الظلّ في التنمية والاقتصاد، ولأن ثمة مفارقةً، حضرنا الندوة ذات العنوان المغري، واستمعنا، ووثّقنا..
نشأ اقتصاد الظل منذ الأزل عندما لم تكن هناك نظم ولا قوانين، وعندما كانت الزراعة بدائية والصناعة بسيطة، وعندما لم تكن هناك عملات حيث المقايضة هي الطريقة الوحيدة لتسديد الأثمان، وبعد أن بدأت الدول بالتشكل، والقوانين بالتطور، تعددت أشكال الاقتصاد وأصبح الاقتصاد الرسمي المنظم هو دستور النشاط والعمل وصار اقتصاد الظل رديفاً.. من يمارسه ينأى بنفسه عن الضوابط والأحكام الجديدة لذلك سمي لاحقاً اقتصاد الظل.
الباحث عصام تيزيني أمين سر غرفة صناعة حمص خلال محاضرة له ضمن ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي تنظمها جمعية العلوم الاقتصادية بعنوان “اقتصاد الظل النظيف مفتاح خلاص السوريين من الفقر” ميز بين شكلين من اقتصاد الظل الأول نظيف كالاهتمام بخدمة المجتمع وتأمين احتياجاته السلعية والخدمية، والثاني وسخ يهتم بتأمين السلع والخدمات السوداء والقذرة.

صديق للمستهلك
تيزيني عرّف اقتصاد الظل النظيف بأنه كل نشاط تجاري أو إنتاجي أو خدمي نظيف يحقق دخلاً مادياً لممارسيه ويحقق خدمة للمجتمع بعيداً عن دفاتر الحكومة وبعيداً عن شروطها الإدارية والمالية تحديداً, فكل نشاط من هذا النوع يندرج تحت اسم اقتصاد الظل النظيف… ممارسته غير مكلفة وأصحاب هذا النشاط هم أصدقاء المستهلك لأنهم يقدمون له خدمات وسلعاً ومنتجات إمّا غير متوفرة وإمّا أرخص من مثيلاتها التي يقدمها من يعمل في الضوء.

قبل الحرب على سورية كان يسهم بـ٦٠% من الناتج المحلي الإجمالي وحالياً ٨٥%

أصحاب هذا النشاط مدانون وملاحقون قانوناً لأنهم يعملون من دون ترخيص.. فهم لا يساهمون في رفد خزينة الدولة بجزء من عائداتهم إذ لا يدفعون رسوم ترخيص أو بلديات أو تأمينات اجتماعية أو ضرائب مالية، ورسوم ضرائب رواتب وأجور، أو رسوم سجل تجاري أو انتساب لنقابات وغرف تجارة وصناعة وزراعة وسياحة .
مع الإشارة في هذا السياق إلى أن اقتصاد الظل النظيف موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها ولكن تختلف نسبة نشاطه من دولة لأخرى، وهذا طبعاً مرتبط بطبيعة القوانين الخاصة بالعمل والمتاجرة ومدى مرونتها أو تعقيدها, فكلما كانت الشروط مرنة و سهلة، تراجعت حدة هذا النشاط والعكس صحيح.

دور اقتصاد الظل النظيف في تطور الدول الناشئة
كما لفت المحاضر إلى أن اقتصاد الظل النظيف هو من ساهم ببناء معظم الاقتصادات الناشئة التي تتربع الآن على عرش النهضة والنمو و نخص بالذكر تلك الدول التي عاشت فترات طويلة من الحروب. والأمثلة كثيرة منها رواندا في أفريقيا، ميانمار وبنغلادش في آسيا, حتى الدول التي لم تعانِ من تجارب الحروب إنما عانت التخلف و الفقر مثل نمور آسيا التي صعدت في ثمانينيات القرن الماضي معتمدة على السماح بالعمل والإنتاج بشروط مرنة بعيدة عن التعقيد كسنغافورة وماليزيا وتايوان ولا ننسى الهند وتطور اقتصادها اللافت للنظر، أما الصين فقد بدأت منذ ستينيات القرن الماضي بالعمل من دون تنظيم وشروط وكانت عشرات آلاف الورش تنتج تحت أعين الحكومة ولكن من دون تعقيدات وشروط وهي مثال يحتذى بتدرج تطورها الاقتصادي الصناعي حيث كان الفقر شديداً ومعدل دخل الفرد ضعيفاً وهي لم تبدأ بالتنظيم والاشتراط إلّا منذ 2010

مراحل تطور اقتصاد الظل النظيف في سورية
تيزيني خلال محاضرته أشار إلى أنه مع بدء الألفية الثالثة ظهرت بشائر نهوض وتطور الاقتصاد السوري الرسمي مع التحول والانفتاح نحو آليات جديدة تتماشى مع السوق وتتناغم مع التطورات الاقتصادية في المنطقة والعالم فكان الاقتصاد السوري الرسمي يسجل نمواً وتصاعداً مريحاً رغم بعض الملاحظات على مساره ولكنه يسير بتقدم وخصوصاً في الأعوام الثلاثة التي سبقت الحرب، ومع ذلك كان لاقتصاد الظل النظيف دور رديف أيضاً في حينها، وحسب مؤشرات حكومية كان لهذا الاقتصاد نسبة مشاركة بالإنتاج المحلي لا تقل عن 60 بالمئة فكان مساعداً مهماً وفاعلاً في تحسين دخل الفرد.
حينذاك، طبعاً السبب في ارتفاع تلك النسبة يعود إلى وجود تشريعات غير مرنة تعتمد المنع ثم المنع ثم المنع ولا تعتمد السماح إلّا بشروط ولكنها كانت إلى حدّ ما قابلة للتنفيذ، فالحال كان مستقراً والأمور تتحسن، وكان مأمولاً حينذاك وفق الخطط الحكومية أن يتراجع هذا النشاط ولكن أتت الحرب التي ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد السوري.

حاجة الاقتصاد السوري الآن لاقتصاد الظل النظيف
وتابع تيزيني محاضرته بالقول إنّ اقتصاد الظل في الحالة السورية هو حلّ من المفيد شرعنته على الأقل لأربع سنوات قادمة لكون الاقتصاد السوري ومنذ عام 2019 بدأ يعاني وبشكل صارخ من آثار الحرب الطاحنة ورافق ذلك عقوبات غربية قاسية ضيقت كثيراً على مجتمع الأعمال فتراجع الإنتاج وتراجعت الحركة التجارية وبدأ التضخم المالي بالظهور وصار اللحاق بمقتضيات العيش هو الشغل الشاغل للمستهلك السوري، ومع ثبات البنية التشريعية الخاصة بالاقتصاد وعدم تطويرها بما يتناسب مع الحال المتردي صارت ظاهرة نمو اقتصاد الظل النظيف متفشية وبارزة للعيان فهو يسهم حسب التقديرات غير الرسمية بأكثر من 85 % بالمئة من إجمالي الناتج المحلي ولكن للأسف أصحابه مدانون وملاحقون قانونياً وهنا تكمن المشكلة.

شرعنته مرحلياً ووضعه تحت الضوء هو أمر ضروري على الأقل لأربع سنوات

وبما أن الاقتصاد الرسمي متعب وتعافيه يحتاج الى تغيير جذري ببنية القوانين والتشريعات وبما أن ذلك يحتاج وقتاً ودراسة و لجاناً فلا بأس والحال هذه أن نحرر ممارسي اقتصاد الظل النظيف ونطلق لهم العنان ليسدوا هذا العجز في النمو وفي القدرة على الاستهلاك خصوصاً.
وهذا النوع من النشاط الاقتصادي صار واقعاً موجوداً ولكنه ملاحق ومدان وغير مرتاح.. وبالتالي فإنّ شرعنته مرحلياً ووضعه تحت الضوء هو أمر ضروري على الأقل لأربع سنوات من الآن ريثما ينهض الاقتصاد الرسمي من كبوته ولاسيما أن هذا النوع من الاقتصادات يقدم خدمة مزدوجة للمجتمع عند الأزمات عموماً فهو من جهة يؤمن فرص عمل حرة ومريحة تحدّ من ظاهرة الهجرة، ومن جهة أخرى يسهم في تخفيف وجع الدفع الذي أصاب معظم السوريين في مقتل.

كيف يخفف من وطأة الفقر ؟
أمين سر غرفة صناعة حمص قدم عدة مقترحات لتحسين قدرة السوريين على الشراء وتخفيف وطأة الفقر يأتي في مقدمتها:
– إصدار تشريع يعفي كل من يعمل ويريد أن يعمل بالظل النظيف من الملاحقة والاشتراط والتجريم والاكتفاء بالإعلام والإخبار فقط ومنع التواصل المباشر من كل أجهزة الرقابة المالية والإدارية والبلدية مع من يمارس هذا النشاط ..على مبدأ “دعه يعمل دعه يمر”.
– مساعدة فئة الشباب التي تشكل 60 بالمئة من المجتمع السوري على تنفيذ طموحاتهم بالعمل من دون تقييدهم بشروط إدارية ومالية مرهقة مع العمل على إصدار تشريع تأجيل الخدمة الإلزامية لأسباب العمل والإنتاج كما هو متاح لسبب الدراسة، فاقتصاد سورية اليوم بحاجة ملّحة لهذه الفئة التي وللأسف صار حلمها الهجرة .
– طبعاً مع تنظيم وقوننة اقتصاد الظل النظيف يصبح العمل مريحاً للجميع بشرط أن يظل هذا النشاط مضبوطاً ومراقباً فقط لجهة الغش والتدليس والاحتيال وخاصة ما يخص الغذاء.
كما ختم تيزيني محاضرته بالقول إنّ واقع الحال صعب واعتقد جازماً أن وضع اقتصاد الظل النظيف تحت أعين الحكومة وغض الطرف عن ممارسيه مرحلياً لأربع سنوات قادمة سيكون حلّاً مريحاً ورديفاً يسهم برفع قدرة السوريين على مصارعة الغلاء وتأمين حدّ الكفاف.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار