التنمر الإلكتروني ظاهرة خطرة تهدد الشباب والفتيات
تشرين – بشرى سمير:
تنتشر ظاهرة التنمر عموماً في أوساط طلاب المدارس والجامعات، أو بين زملاء العمل، وهي ظاهرة قديمة، لكن مع التطور التقني وانتشار وسائل التواصل الإلكتروني، ظهر نوع جديد من التنمر، وهو التنمر الإلكتروني، ومن منا لم يتعرض إلى هذا النوع من التنمر لمجرد أنه نشر على صفحته صورته، أو أي نشاط قام به، مهما كبرت أو صغرت أهميته بالنسبة للبعض، لنجد أن هناك من يختبىء خلف الشاشة الذكية يقوم بالتنمر والسخرية، بقصد الإيذاء أو المضايقة باستخدام التكنولوجيا، وشبكة الإنترنت وأجهزة الاتصال الحديثة.
تهديد وابتزاز
تشير الشابة (مها) إلى أنها تعرضت إلى التنمر أكثر من مرة، لمجرد أنها نشرت صوراً لها خلال رحلة جامعية مع أصدقائها، وهناك من يتنمر على ملامح الوجه أو الملابس، وقد يتضمن التنمر أحياناً التهديد والابتزاز والإحراج، ونشر المعلومات الشخصية، أو الصور والفيديوهات الشخصية أو المسربة، ما جعل الشابة (هدى) تخشى أن تشارك أصدقاءها أي صورة أو نص خوفاً من التنمر أو الإساءة في استخدام صورها.
متخصصة من كلية التربية: يتضمن التنمر اللفظي عبر الإنترنت ويشمل التعليقات والمنشورات والرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال الإلكترونية
وتوضح الدكتورة حنان ضاهر من كلية التربية أن التنمر الإلكتروني يتضمن التنمر اللفظي عبر الإنترنت، ويشمل التعليقات والمنشورات والرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال الإلكترونية، التي تهدف إلى إزعاج أو مضايقة أو إيذاء شخص أو مجموعة من الأشخاص، ويتضمن التنمر اللفظي أيضاً استخدام الألفاظ والشتائم والعبارات التي تحض على الكراهية والسخرية، وهناك التنمر الإلكتروني عبر نشر المعلومات والصور الشخصية، وذلك عندما يعمد أحدهم لنشر معلومات شخصية على الملأ من دون استئذان صاحبها – بغض النظر عن نيته – وتكون هذه المعلومات الشخصية سرية أو محرجة أو تسبب إذلالاً لصاحبها.
وتبين الدكتورة ضاهر أن من أنواع التنمر القرصنة والمراقبة، وسرقة الحسابات الشخصية، حيث يقوم المتنمر بالوصول إلى الحساب الشخصي إما بهدف المراقبة أو بهدف انتحال شخصية الضحية والنشر باسمها، أو تعديل ملفها التعريفي بشكل مسيء، أو التعليق باسم الضحية تعليقات مسيئة.
صانعو المحتوى
من أشكال التنمر الإلكتروني تنمر صانعي المحتوى الإلكتروني، ويشمل ذلك الشخصيات المؤثرة، وصانعي الفيديو عبر «يوتيوب»، والمدونين وكل من يعمل في صناعة المحتوى الإلكتروني، حيث يقوم صانع المحتوى باستهداف شخص معين أو مجموعة من الأشخاص، بخطاب كراهية وعنصرية أو إساءة أو فضيحة، وقد يكون التنمر عبر مشاركة المحتوى المسيء، ليس فقط ما تتم كتابته أو نشره، بل ما نقوم بمشاركته والمساهمة بانتشاره أيضاً يعد شكلاً من أشكال التنمر الإلكتروني، فمشاركة الفضائح أو المعلومات التي تشكِّل إساءة لشخص أو جماعة تعد تنمراً إلكترونياً، سواء التغريدات أم المنشورات في «فيسبوك» أو الفيديوهات والصور أو المشاركة عبر المجموعات.
وتبين د. ضاهر أن من أهم أسباب التنمر الغيرة وتعويض النقص من خلال التنمر الإلكتروني، وعادةً ما يلجأ المتنمرون إلى الإنترنت كوسيلة لحل مشكلاتهم في الحياة العملية والحقيقية، وتشير إلى أن التنمر الإلكتروني لا يحتاج إلى شجاعة، وهو أقل خطورة على المتنمر من الأنماط الأخرى، حيث لا يحتاج التنمر الإلكتروني إلى مواجهة مباشرة مع الضحية، ولا توجد عواقب واضحة لممارسة التنمر على الإنترنت، كما أن وسائل التنمر الإلكتروني تتيح للمتنمر إخفاء هويته كما تتيح له الانسحاب.
وتحذر د. ضاهر من التنمر على الأطفال لما له من تأثير في صحتهم النفسية، حيث يتعرض الأطفال لأشكال مختلفة من التنمر الإلكتروني وإساءة المعاملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الإنترنت، من دون أن تكون لديهم الدراية والقدرة اللازمتان للدفاع عن أنفسهم ومواجهة التنمر الإلكتروني، هذا ما يحتم على الأهل مزيداً من الإلمام بقضايا التنمر وتحديداً كيفية حماية الأطفال من التنمر الإلكتروني.
ولم تستبعد د. ضاهر أن يكون التنمر الإلكتروني بهدف الانتقام، أو رد فعل على سلوك سيىء من أحد الأشخاص، فيتم الانتقام منه بالتنمر عليه، فتجد التلميذ يتنمر على أستاذه، والابن يتنمر على أبيه والفئات الاجتماعية المضطهدة تتنمر على الفئات الأخرى.
عقوبات التنمر
من جانبه المحامي محمد ملص أشار إلى أن التنمر هو نوع من أنواع الذم والقدح، وعرّف قانون العقوبات السوري العام وفي المادة (374) الذم بأنه نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك والاستفهام ينال من شرفه أو كرامته، وأضاف: تعرف المادة ذاتها القدح بأنه كلّ لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير ورسم يشفّان عن تحقير يعدّ قدحاً.
محام: التنمر نوع من أنواع الذم والقدح
أي إن أيّ صورة نتداولها بقصد السخرية من شخص ما، وأيّ تعليق فيه إهانة مبطّنة كانت أم مباشرة، وأيّ شتيمة توجه لشخص ما، وأيّ تعليق مثل السخرية من الشكل أو صفة معينة تعد قدحاً. وأضاف ملص: لا يشترط في كلا الجرمين تسمية الشخص باسمه، بل يكفي الدلالة عليه بحيث إنّ الآخرين سيعرفون من هو المقصود، مثلاً (الشخص يلي راكب السيارة الحمراء وهو أشقر وسمين)، جملة كهذه كافية لتدل على الشخص المقصود.
ولفت ملص إلى أنه طبعاً لا يشترط في جريمتي القدح والذم الواقعين على الأفراد أن تكونا علانية وفقاً لما حدده القانون، وتختلف العقوبة إن كان ذلك علانية أو غير علانية، وذكر المشرع وسائل العلانية على سبيل المثال لا الحصر، فكل طريقة تستخدم في القدح أو الذم يطّلع عليها جمهور من الناس هي طريقة علانية.
ولفت إلى أن المادة (568) من قانون العقوبات السوري العام تجرّم الذم وتفرض عقوبة على مرتكبه بالحبس من ثلاثة أشهر وغرامة مالية.
أمّا المادة (570) من قانون العقوبات السوري فتجرّم القدح وتفرض عقوبة على مرتكبه بالحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو غرامة مالية.
تقديم شكوى
وأشار ملص إلى أنه لابد من تقديم شكوى من المتضرر كي يتم تحريك الدعوى، وغالباً لا يقدم من تعرض للتنمر شكوى، بل يلجأ إلى الانتقام بنفسه، ما يسفر عن عدم وجود إحصائيات حول قضايا التنمر، علماً أنّ المادة (28) من التعليمات التوضيحية والتنفيذية لقانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، تنصّ على مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية، إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة، وقد ذكر القانون عدة جرائم على سبيل المثال لا الحصر ومنها جريمتا القدح والذم.
إحصائيات
ورغم أنه لا توجد احصائيات في الدول العربية عموماً حول عدد الذين تعرضوا للتنمر إلا أن هناك دراسات غير رسمية تقدر أن أكثر من 60% من الأطفال والمراهقين والشباب في العالم العربي يتعرضون للتنمر والابتزاز الإلكتروني عبر الإنترنت.
وأوضحت دراسة أكاديمية عربية تعرّض أكثر من 45% من الفتيات في الدراسة للتنمر الإلكتروني، سواء بالتحرش اللفظي في غرف الدردشة، أم بالصور المسيئة، أو التعليقات البذيئة، أو التهديد والابتزاز، وغيره من الممارسات المندرجة في إطار التنمر الإلكتروني.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 7 من كل 10 شباب حول العالم تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت في مرحلة ما، تعرض ثلثهم للأذى، فيما أقدم واحد من كل 10 ضحايا على محاولة الانتحار.