عن اللغة الماتعة
ليس من شك في أنّ الأدب على اختلاف أنواعه وأجناسه؛ هو لعبة لغوية، أو هنا تكمن الفعالية الجمالية التي هي غاية كل إبداع. لدرجة ثمة من وضع الفكرة والمعاني في درجة ثانوية وبعيدة إذا ما تمت مُقارنتها باللغة، فمنذ أزمان بعيدة، وجدوا إنّ “المعاني” متوافرة على قارعة الطريق. والإبداع الحقيقي؛ هو بالصياغة، التي على ما يبدو أن العملية الإبداعية تكمن فيها، والتي تتجلى في الأدب باللغة على وجه التحديد، تلك اللغة التي تزيد من سعة العبارة بما ملكت من بلاغة.
هذه اللغة التي تعددت صياغتها وتراكيبها بأشكالٍ مختلفة، يعود ذلك لموهبة المُبدع في التركيب، وإعادة وضع الكلمات في سياقاتٍ جديدة في لعبة انزياحات تُعيد للمفردات حيويتها، ومنحها مهمات جديدة، وهي التي استهلكت، أو تم استنفاد جمالياتها في المُعتاد، أو حتى – وإن كانت نادرة- نحت المُبدع لمفردات جديدة وإضافتها إلى اللغة.
من هنا؛ يُمكن القول: إنّ أهمية القصيدة لدى شاعرٍ مثل محمد الماغوط على سبيل المثال؛ تكمن في “التراكيب” الجديدة التي ركّب منها قصيدته، بمعنى كان الرجل مُبدع تراكيب بشكلٍ مُدهش، وربما على النقيض منه الشاعر نزار قباني، الذي أنزل اللغة من عليائها لتصير لغة ربة المنزل دون أن تفقد جمالياتها، فإذا كان الماغوط شاعر تراكيب، كان قباني شاعراً يُداعب المفردات. أزال عنها كل ذلك التقعر، ونزعها من اللغة الأحفورية وأدخل لغة الشعر لكل بيت. وعلى خلاف من الشاعرين السابقين؛ تأتي لغة أدونيس محملة بكل هذا الفكر العالي من الحكمة والفلسفة والتأمل الطويل.
وسأزعم أن مُعظم ما كُتب في القول الشعري على مدى أكثر من سبعين سنة في المشهد الثقافي السوري إن لم يكن في العالم العربي كله؛ كان يتراوح بين تلك الفضاءات الثلاثة لأهم أقطاب الشعر العربي، إما تلك القصيدة التي تكون “التراكيب” غايتها الجمالية، أو تلك القصيدة التي تنوس باللغة حتى تُلمس بالأصابع، وأخيراً القصيدة الفلسفية العالية، أو القصيدة الرائية التي تُجاور الفلسفة على تنوعها.
هنا نتحدث عن القصيدة الحقة، وليس النص الذي أضاعه صاحبه؛ إما في اللغة الغامضة التي تحتاج إلى مفاتيح لفك ألغازها ورموزها، أو تلك القصيدة التي سقطت في مطب التقريرية والمباشرة، ومثال النصين؛ هو الأكثر انتشاراً للأسف الشديد.
هامش:
ذات حينٍ
في قادمات الأيام؛
سأجمع
كل الدروب
حتى مفارقها،
و.. عند كل اشتياق سأفردها
حتى
لا تنسى خطواتنا مشيتها..