أسامة الروماني.. ومَنْ يعشْ ثمانين حوْلاً ويعمل بروح الشباب لا يسأمِ
تشرين- علي الرّاعي:
يُذكّرنا رحيلُ الفنان السوري أسامة الروماني (1942 – 2023) الذي رحل عن دنيانا اليوم عن عمر واحد وثمانين عاماً بمبدعين سوريين كثّفوا نشاطهم في سنينهم الأخيرة، وكأنهم في سباقٍ مع الموت الذي كانوا يشعرون بأنه مرافقهم في كلّ تنقلاتهم.. الموت الذي يظهر بملامحه مع المرض، أو في سنيّ الشيخوخة.. هكذا أعطى سعد الله ونوس أكثر من نصف أعماله خلال مرضه بمرضٍ عضال في سنواته العشر الأخيرة، ومثله أيضاً الراحل ممدوح عدوان.
والراحل أسامة الروماني كان قد غاب عن الساحة الفنية سنين طويلة أظنّها منذ رحيل شقيقه هاني الروماني، لدرجة ولدت أجيالٌ لم تعرف باسمه، في حين لم يبقَ في ذاكرة من عايشوا شراكته المسرحية مع الفنان دريد لحام ومحمد الماغوط سوى بقايا صور من عروض مسرحيتي (ضيعة تشرين وغربة).
فقد سافر الروماني بما يُشبه الهجرة إلى الكويت، واشتغل خلالها مُشرفاً في الدوبلاج، غير أنه عاد إلى سورية في آخر خمس سنوات من الحرب عليها ليقول في حوارٍ سابق مع «تشرين»: عدتُ لأعمل حتى آخر نفسٍ، وأعيش بين أهلي وفي منزلي. غير أنه، وكما توحي العبارة السابقة، لم يعد ليرتاح من تعب السنين، بل ليُسجّل في تاريخه الفني أهمَّ الأعمال التي قدمها في الدراما السورية خلال حياته.. فهو ومنذ عودته إلى الوطن، لم يمر موسمٍ درامي من دون أن يكون مُشاركاً فيه بعمل أو عملين، وربما ثلاثة مسلسلات تلفزيونية، ومن فرط نشاطه الفني، كان يدفعه حماسه الفني لأن يُشارك بعض المخرجين الذين في بداية مشوارهم الفني في بعض أفلامهم.. إضافةً لعقده الكثير من الندوات والاحتفالات الفنية، ويختم كل ذلك بتدريسه في المعهد العالي للسينما.. وأسامة الروماني واحد من رواد الحركة المسرحيّة.. كان «مبدعاً كبيراً، وصاحبَ بصمةٍ وحضورٍ خاص.. بدأ حياته في المسرح مع جيل من الرواد الذين كان لهم الفضل في تأسيس المسرح القومي والكثير من الفرق المسرحية، وهو صاحب مشروع مسرحي في الكتابة والإعداد، وقدّم الكثير للسينما والتلفزيون» كما تذكر وزارة الثقافة في نعيها للراحل.
وكما ذكرنا، فإنّ انقطاع الفنان الروماني عن الأعمال السورية الذي طال بعض الشيء – نحو أربعة عقود خارج سورية -، حتى لم يعد يذكر من شغله سوى جيل مُبكر، وذلك في دوره بشخصية (أبو أحمد) الذي اشتهر فيه في مسرحية (غربة) إلى جانب الفنان دريد لحام.. من هنا لابأس من تذكيرنا ببعض أعمال البدايات للراحل الروماني، ففي سجله الفني يُذكر أنه بدأ حياته الفنية مطلع الستينيات في أحد الأندية الدمشقية المسرحية، ورحلته مع التلفزيون بدأت سنة 1963، إذ ظهر من خلال أعمال: «ساعي البريد، أسود أبيض، زقاق المايلة، بريمو، الأميرة الخضراء، حياتنا، وبصمات على جدار الزمن.. وفي المسرح جسد شخصية (نايف) في مسرحية (ضيعة تشرين)، و(أبو أحمد) في مسرحية (غربة).. وفي السينما شارك في أفلام: عجاج، يوم آخر للحب، والمغامرة.. وربما قليلون من يعلمون أنه أخرج للتلفزيون برامج منوّعة مثل: (نجوم وأضواء) الذي كان يحتفي بالإبداع الأجنبي ولاسيما الأغنية الأجنبية، أواخر السبعينيات مع الإعلامية الذائعة الشهرة حينها منى الكردي.
أسامة الروماني الذي يستذكره الناقد سعد القاسم بأنه: «عشق المسرح الذي دفع بهاني الروماني لأن يتخلى عن كلية الطب في سنته الخامسة، ودفع مجموعة عشاق المسرح لتقديم تضحيات كثيرة لأجل عملٍ ثقافي لائق، يكفي أن نعلم أنهم كانوا يمولون عروضهم المسرحية من رواتب وظائفهم، وأنهم كانوا يتدربون على العرض المسرحي شهرين، من أجل يومي عرض في صالة سينما يستأجرونها بنقودهم لـ(حفلة) الساعة التاسعة ليلاً، بعد نصف ساعة فقط من استلامهم لها.. وعليهم خلال هذا الوقت الضيق جداً اكتشاف المكان وحركتهم على الخشبة وفي كواليسها، وتركيب الديكور.»، في حين يتذكره السيناريست حسن م يوسف بالقول: «يشرفني حقاً أنني شاركته في العام الماضي بتعليم مادة (السيناريو) في المعهد العالي للسينما.. كنت أحبه عن بعد كفنان، وما إن اقتربت منه وتنشقت عطر روحه الأخّاذ حتى ازددت له حباً واحتراماً، لذلك كان لابد لي من أن أحضر حفل تكريمه في المعهد العالي للفنون المسرحية، إذ أعطى فأغنى وأدهش!
يومها كتبت: طوال ساعتين من البوح الحميم تكرَّم المبدع أسامة الروماني بنثر ذهب تجربته الثرية على رؤوسنا، أذاقنا عسل البدايات المر، ولقننا دروس حياته العميقة القاسية بحنان.. كان يعطي عصارة عمره بغزارة عين الفيجة، فيضوع منه عطر روحه الأخاذ بتلقائية الوردة الشامية.»..
بقي أن نُشير إلى أن مسلسل (حمام القيشاني) تأليف دياب عيد، والذي كان علامة فارقة في دراما البيئة الشامية، وقد شارك فيه الراحل أسامة الروماني كان استمر على أجزاء، وكان ينوي مخرجه الراحل هاني الروماني كما ذكر لي في ذات حوار حتى عهد الرئيس حافظ الأسد.. أما عن آخر أعماله فكان مسلسلات مثل: كسر عضم، والكرزون، وربما أجملها مسلسل خريف العمر..
وأخيراً أختم بما سجلته الكاتبة ديانا جبور في هذا النعي: «على أرجوحةٍ من بهجةٍ وحكمة قضى عمره.. بهجة الشاب وحكمة الشايب.. تجاوز الثمانين، فأعاد ترتيب الأولويات، وفي صدارتها المسامحة والحب، لكنه احتفظ ليس بروح الشباب من حيث الرغبة في العمل والذاكرة والدعابة والثقافة وحب الحياة.. بل إنه احتفظ بين ثنايا صدره بثلاثة شبان، كما لو إنه قسّمَ عمره على ثلاثة حتى يستطيعوا اللحاق بنهاراته الاحتفالية المزدحمة بشغف الحياة والعمل.. لكن القلب خذله.. وأفخر بأنني أول من تواصل معه في سورية كي يعود للتمثيل، وأنه قبل دور ضيف في عشارية (شرف).. أسامة الروماني رحيلك موجعٌ موجع يا لخسارتنا».