دخل هنري كيسنجر عامه المئة. ولاقى الحدث اهتماماً إعلامياً كبيراً. و جرى استذكار دراساته وأعماله، واختلفت الآراء فيه بين مقدر وممجد. وبين مدين و متهم .هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي في زمن الرئيس ريتشارد نيكسون ومن ثم وزير خارجيته. وصاحب الأسلوب الدبلوماسي الذي أثر في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة، والغربية عامة. فكيف لنا نحن العرب عموماً وكل دول المشرق المجاور للكيان الإسرائيلي المحتل لفلسطين خصوصاً أن نراه ونقيّم أعماله ونزن سياسته و أفعاله .
قبل كل شيء كيسنجر يهودي صهيوني حتى النخاع وعمل على خدمة (إسرائيل) في كل ما فعله. وعندما توفيت جولدا مائير بكى وتنهنهَ كالأطفال حزناً عليها. وكثيرون يرجعون إليه السبب في ما فعله الرئيس السادات من تحوير مسار حرب تشرين من حرب تحرير تعيد الأرض و الحقوق إلى حرب تحريك تحفز على تسوية ترضي مصر السادات. وتضمن أمن (إسرائيل). وإن تابعنا في مسيرة الرجل تجاهنا فإنه مسؤول عن دفع الأحوال في لبنان إلى حرب أهلية فتحت الطريق أمام (إسرائيل) إلى بيروت بما هيأ إلى تسهيل إبعاد الفلسطينيين إلى تونس. ومن ثم ترتيب الظروف للإيقاع بالعمل الفلسطيني في عملية أوسلو… بناء على كل ذلك يحق لنا أن نقول إن كيسنجر أكثر الساسة الأمريكيين صهيونية، و هو من بين أهم من رسخ أصول الصهيونية في السياسة الخارجية الأمريكية .
طبعاً كون كيسنجر صهيونياً لا يبيح لنا أن نقلل من قدراته. فهو درس الدبلوماسية أكاديمياً ومارس الدبلوماسية سياسياً. وفي كلا المجالين كان متفوقاً وصاحب فلسفة نظمت أعماله ليصل إلى تحقيق أهدافه. وإذا كانت مأثرته الأمريكية الاتفاق مع صين ماوتسي تونغ لإبعاد بكين عن الاتحاد السوفييتي. وفقاً لفلسفة تقوم على تحقيق (التوازن الثلاثى النووي) بين أمريكا وروسيا والصين ما حقق الأمن النووي وجنب العالم مواجهة كارثية. إذا كانت هذه المأثرة حققت الأمن النووي إلّا أنه تسبب في إطالة الحروب في جنوب شرق آسيا وتسبب بقصف الملايين وتهجير الآلاف. و كان وراء اغتيالات وانقلابات كانت تشيلي أبرز ما حفظته الذاكرة عنه. وبذلك فقد كان (مجرم حرب) كما يقول بعض الدارسين و يستغربون كيف فلت من العقاب و الحساب .
يحق لهيلاري كلينتون أن تسمى سياسة كيسنجر بـ(الواقعية) ويحق للفلسطينيين والتشيليين والآسيويين والفيتناميين واللاوسيين والكمبوديين أو.. إلخ أن يسموا سياسته بـ(الإجرامية)، وهناك من يرى أن هذا (الثعلب) مارس الافتراس الوحشي السياسي وفقاً لنظرية أكاديمية روّج لها وكأنها (علم سياسة) بينما هي خطة نهب وهيمنة وسيطرة وحشية. والثعلب لابدّ من أن تكون سياسته ثعلبية ماكرة و منكرة. لذلك تلفعت دبلوماسية كيسنجر برداء الأكاديمية والفلسفة. وروجت آلة الدعاية الغربية أنها (سياسة واقعية) بينما هي ليست أكثر من (سياسة ثعلبية). ولمن يتفاخر بمكر الثعلب والثعلبية فإنّ هناك من يوضح أن المعنى الحقيقي لهذه السياسة هو (الشيطانية) لأنها مثل الشيطان تأخذ الشعوب والأوطان لترميهم في جهنم كي تتسيد و تستولي و تسيطر الصهيونية الأمريكية على مقدرات و مصائر هذه الأوطان والشعوب .